بينما أدخل شيخ الإسلام عند كلامه عن القسم الثاني من كان هذا حاله في مسمى التشبه، فاعتبر من تبع غيره في فعل لا لأجل أنهم فعلوه وإنما لغرض آخر ما دام أن أصل الفعل مأخوذ عن ذلك الغير اعتبر هذا من التشبه أيضا، دون اعتبار قصد التشبه، وبهذا يتبين أن الجديع إنما خان أمانة
العلم في هذا النقل لغرض تمشية ما يريد.
فهو يريد إخراج كل فعل من الأفعال المشابهة لما عليه الكفار من مسمى التشبه، بحجة عدم قصد المشابهة، هذه هي الخطوة الأولى.
ثم تأتي الخطوة الثانية وهي منح هذا القسم حكما شرعيا مخالفا لحكم التشبه، فذهب الأستاذ إلى الكراهة التنزيهية فقط.
وهذا هو بيت القصيد، فبعد عناء من التخطيط والرسم والهندسة والتصميم شيد الأستاذ بيته الذي أراد وابتغى، ولكن ما الفائدة فالطريقة غير مشروعة، وقواعده وأسسه على غير تقوى موضوعة وإنما أسست على شفا جرف هار من التجاهل والكتمان والتلبيس.
وما كان هذا حاله فحري به أن يجتث من أصله فما له من قرار.
وقد ذكر شيخ الإسلام في نفس الصفحة التي تكلم فيها عن الأقسام السابقة حكم التشبه وبين أن أقل أحواله التحريم، وهو رحمه الله يرى أن المشابهة وإن تجردت عن قصد التشبه فهي من التشبه، ما دام أن أصل الفعل مأخوذ عن الكفار، فالتحريم هو قول شيخ الإسلام دون اعتبار لقصد
التشبه، خلافا لما زعمه الأستاذ.
ويتلخص مما سبق أن ما ارتكبه الأستاذ هو التالي:
أ - أنه نقل تقسيم شيخ الإسلام مبتوراً، فحذف قسماً منه
ب - أن البتر كان من وسط الكلام مما يدل على التعمد
ج- أن البتر خصه الأستاذ بالقسم الذي هو أصل في القسمة وهو أهم الأقسام
د- أن الأستاذ قرر عند نقله للأقسام مبتورة خلاف ما تضمنه القسم المبتور
هـ- أنه منحه حكماً مخالفاً لما حكم به شيخ الإسلام
فكان عليه بدل أن يقع في مثل هذه المجاوزات على الأقل أن يكتفي بذكر التقسيم مجرداً عن
كلام شيخ الإسلام حتى لا يكون منه مثل هذا العبث بكلام أهل العلم.
ثم إن الأستاذ ادعى ما ادعاه دون أن يأتي بدليل، فبغض النظر عن أنه خالف شيخ الإسلام في هذا وبغض النظر عما اقترفه من حذف وتجاهل وكتمان، فهو لم يسق دليلاً على ما ذكره وقعده، ولا ذكر سلفا له في هذا سوى أنه ذكر أمثلة فقط ليس إلا.
وهل بمثل هذا يكون التحرير والتحقيق يا أستاذ!!
وأنا أطالب الأستاذ بالأدلة الشرعية على ذلك، لا الأمثلة التي ينازع فيها، ثم أطالبه بذكر من قال به من أهل العلم، و إلا فلا اعتبار بأقوال جوفاء لا زمام لها ولا خطام، وخاصة من متهم كالجديع.
وتتميما للفائدة أنقل لك نصين عن شيخ الإسلام في حكم المخالفة عموما، وإن كان كلام الأستاذ خاصا بالمخالفة في الصورة والهيئة الظاهرة.
قال شيخ الإسلام في الاقتضاء ص (16):
" لما كان الكلام في المسألة الخاصة قد يكون مندرجا في قاعدة عامة، بدأنا بذكر بعض ما دل من الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم في الجملة، سواء كان ذلك عموما عاما في جميع الأنواع المخالفة أو خاصا ببعضها، سواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب " ا. هـ
وقال شيخ الإسلام أيضا ص (21):
" ثم متى كان المقصود: بيان أن مخالفتهم في عامة أمورهم أصلح لنا فجميع الآيات دالة على ذلك.
وإن كان المقصود: أن مخالفتهم واجبة علينا، فهذا إنما يدل عليه بعض الآيات دون بعض، ونحن ذكرنا ما يدل على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة، إذ كان هذا هو المقصود هنا.
أما تمييز دلالة الوجوب أو الواجب عن غيرها، و تمييز الواجب عن غيره فليس هو الغرض هنا " ا. هـ
خلاصة أخيرة
لقد أقام الأستاذ الجديع كتابه لتقرير مسألتين اثتنين تقريبا، وتفرعت عنهما مسائل
الأولى: القول بأن إعفاء اللحية ليس من السنن التعبدية
الثانية: القول بأنه شرع لأجل المخالفة فقط، فإن وجدت المخالفة استحب الإعفاء وكره الحلق كراهة تنزيهية، وإن تخلفت علة المخالفة لم يؤمر به على وجه الاستحباب.
وهاتان المسألتان يمكن أن ألخص القول فيهما بخلاصة نافعة إن شاء الله تبين بعد الأستاذ فيهما عن الصواب.
فإليك المراد:
¥