هَلْ لِلصُّوفِيَّةِ دَوْرٌ يُذْكَرُ فِي الجِهَادِ ضِدَّ المُسْتَعْمِرِ؟
ـ[أبو مهند الشمري]ــــــــ[03 - 07 - 05, 10:10 م]ـ
الحَمْدُ للهِ وَبَعْدُ؛
يَتَشَدَّقُ الصُّوفِيَّةُ وَمِنْهُمُ الطَاغُوْتُ الجِفرِي بِأَنَّ لَهُمْ تَارِيْخاً فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ الإِسْلاَمِ، وَهَذِهِ دَعوَى مُجَرَّدَة عَنِ الدَّلِيْلِ، بَلِ الدَّلِيْلُ بضِدِّها، فَهُم كَانُوا اليَدَ اليُمْنَى لِلغَرْبِ الصَّلِيْبِي، وَلِذَلِكَ نَرَى عُبَّادَ الصَّليبِ يُشَجِعُونَ الطُّرَقَ الصُّوفِيَّةِ لِعِلْمِهِم أَنَّهَا سَبِيْلٌ إِلَى تَخدِيرِ الأُمَّةِ، وَقَتلِ رُوْحِ الجِهَادِ فِيْهَا.
قَدْ يَقُوْلُ البَعْضُ: " إِنَّكَ تُبالِغُ "، فَأَقُوْلُ: " تَعَالَوْا مَعِي أُبَيِّنُ لَكُمْ بِالدَّلِيْلِ وَالبُرهَانِ ".
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الوُكَيِّل فِي " هَذِهِ هِي الصُّوفِيَّةُ " (ص 170 - 171): " وَيَزْعُمُوْنَ أَنّ الصُّوفِيَّةَ جَاهَدْتْ حَتَّى نَشَرَتْ الإِسْلاَمَ فِي بِقَاعٍ كَثِيْرَةٍ، وَلَقَدْ عَلِمْت مَا دِيْنُ الصُّوفِيَّةِ؟ فَمَا نَشَرُوا إِلا أَسَاطِيْرَ حَمْقاء، وَخُرَافَاتٍ بَلْهاء، وَبِدْعاً بَلْقاء شَوْهَاء ... ".ا. هـ.
نَأْخُذُ زَعِيمَ الصُّوفِيَّةِ أَبَا حَامِدٍ الغزَالِيَّ مِثالاً، فَقَدْ عاصَرَ الحُرُوْبَ الصَّليبِيةَ وَلم يُشِرِ الغزَالِيُّ إِلَيْهَا، وَلا أَظْهَرَ اهتمَاماً بِهَا.
قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ فِي " البِدَايَةِ والنِّهايَةِ " (12/ 166 - 167) وَهُو يَصِفُ مَا فَعَلَهُ الفِرَنْجُ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ 492 هـ: " أخذت الفرنجُ - لعنهم اللهُ - بيتَ المقدسِ - شرفهُ اللهُ -، وكانوا في نحو ألفِ ألفِ مقاتلٍ، وقتلوا في وسطهِ أزيدَ من ستين ألفِ قتيلٍ من المسلمين، وجاسوا خلالَ الديارِ، وتبروا ما علوا تتبيراً.
قال ابنُ الجوزي: وأخذوا من حولِ الصخرةِ اثنين وأربعين قنديلاً من فضةٍ، زنةُ كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنوراً من فضة زنته أربعون رطلاً بالشامي، وثلاثة وعشرين قنديلاً من ذهب، وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق، مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة والسلطان، منهم القاضي أبو سعد الهروي، فلما سمع الناس ببغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك وتباكوا، وقد نظم أبو سعد الهروي كلاماً قرئ في الديوان وعلى المنابر، فارتفع بكاء الناس، وندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرضوا الملوك على الجهاد، فخرج ابن عقيل وغير واحد من أعيان الفقهاء فساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فقال في ذلك أبو المظفر الأبيوردي شعراً:
مزجنا دمانا بالدموع السواجم * * * فلم يبق منا عرضة للمراجم
وشر سلاح المرء دمع يريقه * * * إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فأيهاً بني الإسلام إن وراءكم * * * وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
وكيف تنام العين ملء جفونها * * * على هفوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم * * * ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم * * * تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الوُكَيِّل فِي " هَذِهِ هِي الصُّوفِيَّةُ " (ص 170 - 171) تَعْلِيْقاً: " لقد عاش الغزاليُّ بعد ذلك ثلاثةَ عشر عاماً، إذ مات سنة 505 هـ فما ذرف دمعةً واحدةً، ولا استنهض همةَ مسلمٍ، ليذوذ عن الكعبةِ الأولى، بينما سواهُ يقولُ:
أحل الكفرُ بالإسلامِ ضيماً * * * يطولُ عليه للدينِ النحيبُ
وكم من مسجدٍ جعلوه ديراً * * * على محرابهِ نصب الصليبُ
دمُ الخنزيرِ فيه لهم خلوف * * * وتحريقُ المصاحفِ فيه طيب
أهزَّ هذا الصريخُ الموجعُ زعامة الغزالي؟
كلا، إذ كان عاكفاً على كتبهِ يقررُ فيها أن الجمادات تخاطب الأولياءَ، ويتحدثُ عن الصحو والمحو، دون أن يقاتلَ، أو يدعو حتى غيرهُ إلى قتالٍ! ".ا. هـ.
وَقَالَ الدكتور زكي المبارك في " الأخلاق عند الغزاليّ " (ص 25): " أتدري لماذا ذكرتُ لك هذه الكلمةَ عن الحروبِ الصليبيةِ؟ لتعرف أنه بينما بطرسُ الناسكُ يقضي ليله ونهاره في إعدادِ الخطبِ وتحبيرِ الرسائلِ لحث أهلِ أوروبا على امتلاكِ أقطارِ المسلمين، كان الغزاليُّ " حجةُ الإسلامِ " غارقاً في خلوتهِ، منكباً على أورادهِ، لا يعرفُ ما يجبُ عليه من الدعوةِ والجهادِ ".ا. هـ.
وَقَالَ الدكتور عُمرُ فروخ في " التصوف في الإسلام " (ص 109): ألا يعجبُ القارىء إذا علم أن حجةَ الإسلامِ أبا حامدٍ الغزالي شهد القدس تسقطُ في أيدي الفرنجةِ الصليبين، وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك ولم يشر إلى هذا الحادثِ العظيمِ، ولو أنه أهاب بسكانِ العراقِ وفارس وبلادِ التركِ لنصرةِ إخوانهم في الشامِ لنفر مئاتُ الألوفِ منهم للجهادِ في سبيلِ اللهِ ... وما غفلةُ الغزالي عن ذلك إلا لأنه كان في ذلك الحين قد انقلب صوفياً، واقتنع على الأقل بأن الصوفيةَ سبيلٌ من سبلِ الحياةِ بل هي أسدى تلك السبلِ وأسعدها ".ا. هـ.
نَخْتِمُ بِسُؤَالٍ مُهِمٍ وَهُو: " بِمَاذَا يُعَلِّلُ الصُّوفِيَّةُ سُكُوْتَهُم وَرِضَاهُم عَنِ المَصَائِبِ الَّتِي تُصِيْبُ الأُمَّةَ؟
يُجِيْبُ الدكتور عُمرُ فروخ بِقَوْلِهِ: " ولكن المتصوفة يعللون سكوتهم ورضاهم بما ينزلُ بقومهم من المصائبِ بأن هذه المصائب عقابٌ من الله للمذنبين من خلقهِ، فإذا كان اللهُ قد سلط على قومٍ ظالماً فليس لأحدٍ أن يقاومَ إرادةَ اللهِ أو أن يتأففَ منها ".ا. هـ.
¥