{{هكذا فرق ابن عدي بينهما – يعني: بين حكيد بن زياد أبي صخر الخراط المدني، وبين حميد بن صخر يروي عنه حاتم بن إسماعيل – والصحيح أنهما رجل واحد، وهو أبو صخر حميد بن زياد}}.
(5) بيان ابن عبد الهادي لمنهج صاحبي الصحيح في الاحتجاج بالرواة، والرواية عمن قل ضبطه في الشواهد، وكذلك كلامه باعتنائهما بالعلو:
قال ص (194 - 197):
{{واعلم أن كثيرًا ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به، ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يخرجون من حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه، ولا معروف بضبط حديثه، أو لغير ذلك، فيجيئ من لا تحقيق عنده فيرى ذلك الرجل المخرج له في الصحيح قد روى حديثُا عمن خرج له في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل، فيقول: هذا على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم؛ لأنهما احتجا بذلك الرجل في الجملة.
وهذا فيه نوع تساهل، فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره. فلا يكون على شرطهما، وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني، عن سليمان بن بلال، وعلي بن مسهر وغيرهما، ولا يخرجان حديثه عن عبد الله بن المثنى، وإن كان البخاري قد روى لعبد الله بن المثنى من غير رواية خالد عنه.
فإذا قال قائل في حديثه عن عبد الله بن المثنى: هذا على شرط البخاري كما قاله بعضهم في حديث عنه، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذا. ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم.
كان في كلامه نوع مساهلة؛ فإن خالدًا غير مشهور بالرواية عن عبد الله بن المثنى.
والحديث فيه شذوذ، وكلام مذكور في غير هذا الموضع.
وكما يخرج مسلم حديث حماد بن سلمة، عن ثابت في الأصول دون الشواهد، ويخرج حديثه عن غيره في الشواهد، ولا يخرج حديثه عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك، وعامر الأحول، وهشام بن حسان، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك، وغيرهم، وذلك لأن حماد بن سلمة من أثبت من روى عن أنس، أو أثبتهم.
قال يحيى بن معين: أثبت الناس في ثابت البناني: حماد بن سلمة.
وكما يخرج مسلم أيضًا حديث سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة الصنعاني؛ مع أن سويدًا ممن كثر الكلام فيه واشتهر؛ لأن نسخة حفص ثابتة عند مسلم من طريق غير سويد لكن بنزول، وهي عنده من رواية سويد بعلو، فلذلك رواه عنه، قال إبراهيم بن أبي طالب: قلت لمسلم: كيف استخرجت الرواية عن سويد في الصحيح؟ فقال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟.
فليس لقائل أن يقول في كل حديث: رواه سويد ين سعيد، عن رجل روى له مسلم من غير طريق سويد عنه: هذا على شرط مسلم، فاعلم ذلك.
وقد روى مسلم في صحيحه حديثًا من رواية أبي صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، لكن ابن قسيط لا يرويه عن أبي هريرة، وإنما يرويه عنه داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال في صحيحه: حدثني أبو صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، حدثه عن أبيه أنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب حاحب المقصورة فقال: يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج مع جنازة وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الاجر مثل أحد؟
فأرسل ابن عمر خبابًا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة؟ ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة.
فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
هكذا روى مسلم هذا الحديث في صحيحه من رواية أبي صخر، عن ابن قسيط بعد أن ذكره من طرق عن أبي هريرة من رواية سعيد بن المسيب، والأعرج، وأبي صالح، وأبي حازم، وغيرهم عنه.
ورواه أيضًا من حديث أبي صخر متابعة لهذه الروايات وشاهدة لها.
وهكذا عادة مسلم غالبًا إذا روى لرجل قد تكلم فيه ونسب إلى ضعف وسوء حفظ وقلة ضبطه، إنما يروى له في الشواهد والمتابعات، ولا يخرج له شيئًا انفرد به ولم يتابع عليه.
فعلم أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر، عن ابن قسيط، عن أبي هريرة لا ينبغي أن يقال: هو على شرط مسلم، وإنما هو حديث إسناده مقارب، وهو صالح أن يكون متابعًا لغيره، وعاضدًا له، والله أعلم.
(6) مدح ابن عبد الهادي للأحاديث المختارة للمقدسي وتفضلها على مستدرك الحاكم:
قال ص (198):
{{روى هذين الحديثين من طريق أبي يعلى الموصلي الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي فيما اختاره من الاحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في صحيحه}}.
(7) وصف ابن الهادى لكتاب فتوح الشام:
قال ص (247):
{{وفتوح الشام فيه كذب كثير، وهذا أمر لا يخفى على آحاد طلبة العلم}}.
(8) فوائد متناثرة في الجرح والتعديل، والمصطلح:
قال ص (241):
{{سليمان بن بلال والد محمد لا يعرف له سماع من أم الدرداء}}.
قال ص (246):
{{المبهم أسوأ حالاً من المجهول}}.
قال ص (246):
{{حاتم بن وردان شيخ من أهل البصرة لم يلق عمر بن عبد العزيز ولم يدركه، فروايته عنه مرسلة غير متصلة، وقد توفي عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة، وكانت وفاة حاتم بن وردان سنة أربع وثمانين ومائة، وأكبر شيخ لحاتم: أيوب السختياني، وكانت وفاة أيوب سنة إحدى وثلاثين ومائة}}.
الفائدة الأخيرة: وهي تضعيف ابن عبد الهادي للمناظرة التي دارت بين الإمام مالك وأبي جعفر المنصور ص (260).
وإلى هنا تم الانتهاء من استخراج الفوائد الحديثة من كتاب الصارم المنكي للإمام المحدث ابن عبد الهادي – رحمه الله تعالى -.
والحمد لله رب العالمين.
¥