تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي]

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على عدم عذر المشركين بالفترة.

وممن ذهب إلى أن أهل الفترة الذين ماتوا على الكفر في النار: النووي في شرح مسلم، وحكى عليه القرافي في " شرح التنقيح " الإجماع كما نقله عنه صاحب " نشر البنود ".

المناقشة، والترجيح:

وأجاب أهل هذا القول عن قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى? نَبْعَثَ رَسُولاً) من أربعة أوجه:

الوجه الأول:

أن التعذيب المنفى في قوله (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ)، وأمثالها من الآيات إنما هو التعذيب الدنيوي.

كما وقع في الدنيا من العذاب بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى وأمثالهم، وإذاً فلا ينافي ذلك التعذيب في الآخرة.

ونسب هذا القول القرطبي، وأبو حيان، والشوكاني وغيرهم في تفاسيرهم إلى الجمهور.

الوجه الثاني:

أن محل العذر بالفترة المنصوص في قوله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ) وأمثالها في غير الواضح الذي لا يخفى على أدنى عاقل.

أما الواضح الذي لا يخفى على من عنده عقل كعبادة الأوثان فلا يعذر فيه أحد لأن الكفار يقرون بأن الله هو ربهم، الخالق الرازق، النافع، الضار.

ويتحققون كل التحقق أن الأوثان لا تقدر على جلب نفع ولا على دفع ضر كما قال عن قوم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـ?ؤُلا?ءِ يَنطِقُونَ) وكما جاءت الآيات القرآنية بكثرة بأنهم وقت الشدائد يخلصون الدعاء لله وحده لعلمهم أن غيره لا ينفع ولا يضر.

كقوله (فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ?لْفُلْكِ دَعَوُاْ ?للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ?لدِّينَ).

وقوله (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَ?لظُّلَلِ دَعَوُاْ ?للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ?لدِّينَ).

وقوله (وَإِذَا مَسَّكُمُ ?لْضُّرُّ فِى ?لْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ)، إلى غير ذلك من الآيات.

ولكن الكفار غالطوا أنفسهم لشدة تعصبهم لأوثانهم فزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى، وأنها شفعاؤهم عند الله مع أن العقل يقطع بنفي ذلك.

الوجه الثالث:

أن عندهم بقية إنذار مما جاءت به الرسل الذين أرسلوا قبل نبينا صلى الله عليه وسلم كإبراهيم وغيره، وأن الحجة قائمة عليهم بذلك، وجزم بهذا النووي في شرح مسلم، ومال إليه العبادي في " الآيات البينات".

الوجه الرابع:

ما جاء من الأحاديث الصحيحة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم الدالة على أن بعض أهل الفترة في النار كما قدمنا بعض الأحاديث الواردة بذلك في صحيح مسلم وغيره.

وأجاب القائلون بعذرهم بالفترة عن هذه الأوجه الأربعة فقالوا:

الجواب عن الوجه الأول:

وهو كون التعذيب في قوله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى? نَبْعَثَ رَسُولاً) إنما هو التعذيب الدنيوي دون الأخروي من وجهين:

الأول: أنه خلاف ظاهر القرآن لأن ظاهر القرآن انتفاء التعذيب مطلقاً، فهو أعم من كونه في الدنيا، وصرف القرآن عن ظاهره ممنوع إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

الوجه الثاني: أن القرآن دل في آيات كثيرة على شمول التعذيب المنفي في الآية للتعذيب في الآخرة كقوله: (كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌقَالُواْ بَلَى?)، وهو دليل على أن جميع أفواج أهل النار ما عذبوا في الآخرة إلا بعد إنذار الرسل كما تقدم إيضاحه بالآيات القرآنية.

الجواب عن الوجه الثاني:

وهو أن محل العذر بالفترة في غير الواضح الذي لا يخفى على أحد بنفس الجوابين المذكورين آنفاً لأن الفرق بين الواضح وغيره مخالف لظاهر القرآن، فلا بد له من دليل يجب الرجوع إليه، ولأن الله نص على أن أهل النار ما عذبوا بها حتى كذبوا الرسل في دار الدنيا، بعد إنذارهم من ذلك الكفر الواضح، كما تقدم إيضاحه.

الجواب عن الوجه الثالث:

الذي جزم به النووي، ومال إليه العبادي وهو قيام الحجة عليهم بإنذار الرسل الذين أرسلوا قبله صلى الله عليه وسلم بأنه قول باطل بلا شك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير