((ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد الضعيفة ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به .... وذلك كالقصص وفضائل الأعمال والمواعظ وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام، وممن نقل عنه ذلك ابن حنبل وابن مهدي وابن المبارك قالوا: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا))
قال ابن منده في (شروط الأئمة):
((سمعت محمد بن سعد البارودي بمصر يقول: كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه، وكان أبو داود السجستاني كذلك يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف لأنه أقوى عنده من رأي الرجال))
المذهب الثالث: يجوز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل العملية والمواعظ والقصص ونحو ذلك مما ليس له تعلق بالعقائد والأحكام، بشروط متفرقة في كلام أهل العلم، وهذا هو قول الجمهور والمعتمد عند الأئمة المحققين، وحكى الاتفاق عليه بين العلماء الإمام النووي وهو أول من شهر هذه المسألة بهذه الصورة، والشيخ ملا ّّّّّّّّّعلي القاري، وابن حجر الهيثمي، والسيوطي، وابن عرَّاق ـ رحمهم الله تعالى ـ.
شروط العمل بالحديث الضعيف:
جمع شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله تعالى ـ شروط العمل بالحديث الضعيف وهي ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه، نقل العلائي الاتفاق عليه.
الثاني: أن يندرج تحت أصل معمول به.
الثالث: أن لا يُعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط.
وقال: هذان ذكرهما ابن عبد السلام وابن دقيق العيد
الرابع: عدم إشهار الحديث الضعيف، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة، وهذا شرط رابع أضافه الحافظ في تبيين العجب فقال:
( ..... اشتهر أن أهل العلم يتسمحون في إيراد الأحاديث في الفضائل، وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة، وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفاً، وأن لا يشهر ذلك، لئلا يعمل بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة)
الخامس: أن يكون العمل الوارد في ذلك الحديث الضعيف، مما ثبت بالشرع حُكْمُهُ مَدْحاً أو ذمَّاً، وهذا الشرط وإن كان يلتقي مع الشرط الثاني، إلا أن النص عليه أبلغ في البيان.
وهذا الكلام مستقى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ حينما قال:
(فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغَّب فيه، أو رهَّب منه، بدليل آخر، غير هذا الحديث المجهول حاله، وهذا كالإسرائيليات، يجوز أن يروى منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب، فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا، فأما أن يثبت شرعاً لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت فهذا لا يقوله عالم)
السادس: أن لا يشتمل ذلك الحديث الضعيف على تفصيلات أو تقديرات أو تحديدات، زيادة على ما ثبت في الصحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ:
(فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً، مثل صلاة في وقت معين، بقراءة معينة، أو على صفة معينة، لم يجز ذلك، لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي)
كيفية رواية الحديث الضعيف:
قال السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ:
(ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد الضعيفة، ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف، والعمل به من غير بيان ضعفه، في غير
صفات الله تعالى وما يجوز ويستحيل عليه، وتفسير كلامه، والأحكام كالحلال والحرام و غيرهما، وذلك كالقصص وفضائل الأعمال والمواعظ وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام)
وقال أيضاً:
(وإذا أردت رواية الضعيف بغير إسناد فلا تقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وما أشبهه من صيغ الجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، بل قل: رُوي عنه كذا، أو بلغنا عنه كذا، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو نقل عنه، وما أشبهه من صيغ التمريض، كروى بعضهم. وكذا تقول في ما تشك في صحته وضعفه.
أما الصحيح فاذكره بصيغة الجزم، ويقبح فيه صيغة التمريض، كما يقبح في الضعيف صيغة الجزم)
¥