تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما قوله: ورواية عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قريب من رواية أبي الزبير، فإنه ذكر ما أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد / بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلي بالمدينة سبعًا وثمانيا: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي رواية البخاري عن حماد بن زيد: فقال لأيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ فقال: عسي.

فيقال: هذا الظن من أيوب وعمرو، فالظن ليس من مالك. وسبب ذلك أن اللفظ الذي سمعوه لا ينفي المطر، فجوزوا أن يكون هو المراد، ولو سمعوا رواية حبيب بن أبي ثابت الثقة التثبت، لم يظنوا هذا الظن، ثم رواية ابن عباس هذه حكاية فعل مطلق، لم يذكر فيها نفي خوف ولا مطر، فهذا يدلك على أن ابن عباس كان قصده بيان جواز الجمع بالمدينة في الجملة، ليس مقصوده تعيين سبب واحد فمن قال: إنما أراد جمع المطر وحده فقد غلط عليه، ثم عمرو بن دينار تارة يجوز أن يكون للمطر موافقة لأيوب، وتارة يقول هو وأبو الشعثاء: إنه كان جمعاً في الوقتين، كما في الصحيحين عن ابن عيينة، عن عمرو ابن دينار: سمعت جابر بن زيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: صليت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً وسبعا جميعا. قال: قلت: يا أبا الشعثاء، أراه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظن ذلك.

فيقال: ليس الأمر كذلك؛ لأن ابن عباس كان أفقه وأعلم/ من أن يحتاج ـ إذا كان قد صلي كل صلاة في وقتها الذي تعرف العامة والخاصة جوازه ـ أن يذكر هذا الفعل المطلق دليلا على ذلك. وأن يقول: أراد بذلك ألا يحرج أمته. وقد علم أن الصلاة في الوقتين قد شرعت بأحاديث المواقيت. وابن عباس هو ممن روى أحاديث المواقيت. وإمامة جبريل له عند البيت. وقد صلي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وصلي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه. فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع على هذا الوجه فأي غرابة في هذا المعني؟! ومعلوم أنه كان قد صلي في اليوم الثاني كلا الصلاتين في آخر الوقت وقال: (الوقت ما بين هذين) فصلاته للأولى وحدها قي آخر الوقت أولى بالجواز.

وكيف يليق بابن عباس أن يقول: فعل ذلك كي لا يحرج أمته، والوقت المشهور هو أوسع وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه؟ وكيف يحتج على من أنكر عليه التأخير لو كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلي في الوقت المختص بهذا الفعل وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها، وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يغنيه عن هذا؟ وإنما قصد ابن عباس بيان جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء؛ ليبين أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره. وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة. ثم ابن عباس قد ثبت عنه / في الصحيح أنه ذكر الجمع في السفر. وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في السفر إذا كان على ظهر سيره. وقد تقدم ذلك مفصلا. فعلم أن لفظ الجمع في عرفة وعادته إنما هو الجمع في وقت إحداهما، وأما الجمع في الوقتين فلم يعرف أنه تكلم به، فكيف يعدل عن عادته التي يتكلم بها إلى ما ليس كذلك؟

وأيضا، فابن شقيق يقول: حاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته. أتراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت، وأن العصر لا يجوز تقديمها إلى أول الوقت؟ وهل هذا مما يخفي على أقل الناس علما حتى يحيك في صدره منه؟ وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبي هريرة أو غيره حتى يسأله عنه؟ إن هذا مما تواتر عند المسلمين وعلموا جوازه. وإنما وقعت شبهة لبعضهم في المغرب خاصة، وهؤلاء يجوزون تأخيرها إلى آخر وقتها: فالحديث حجة عليهم كيفما كان، وجواز تأخيرها ليس معلقاً بالجمع، بل يجوز تأخيرها مطلقاً إلى آخر الوقت حين يؤخر العشاء ـ أيضاً. وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين بين أحاديث المواقيت، وهكذا في الحديث الصحيح: (وقت المغرب ما لم يغب نور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل)، كما قال: (وقت الظهر ما لم يصر ظل كل شيء مثله، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس). فهذا /الوقت المختص الذي بينه بقوله وفعله وقال: (الوقت ما بين هذين) ليس له اختصاص بالجمع ولا تعلق به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير