ولو قال قائل: قوله جمع بينهما بالمدينة من غير خوف ولا سفر، المراد به الجمع في الوقتين كما يقول ذلك من يقوله من الكوفيين، لم يكن بينه وبينهم فرق. فلماذا يكون الإنسان من المطففين لا يحتج لغيره كما يحتج لنفسه ولا يقبل لنفسه ما يقبله لغيره؟
وأيضاً، فقد ثبت هذا من غير حديث ابن عباس، ورواه الطحاوي: حدثنا ابن خزيمة وإبراهيم بن أبي داود، وعمران بن موسي، قال: أنا الربيع بن يحيي الأُشْنَاني، حدثنا سفيان الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه، قال: جمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخصة من غير خوف ولا علة. لكن ينظر حال هذا الأُشْنَاني.
وجمع المطر عن الصحابة، فما ذكره مالك عن نافع أن عبد اللّه بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ليلة المطر جمع معهم في ليلة المطر، قال البيهقي: ورواه العمري، عن نافع فقال: قبل الشفق، وروى الشافعي في القديم: أنبأنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد، عن معاذ بن عبد اللّه بن حبيب أن ابن عباس جمع بينهما في / المطر قبل الشفق، وذكر ما رواه أبو الشيخ الأصبهاني بالإسناد الثابت عن هشام بن عروة، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين، ولا ينكر ذلك. وبإسناده عن موسي بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر، وأن سعيد ابن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان، كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك.
فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدًا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك، لكن لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا للمطر، بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه ـ أيضاً ـ للمطر كان قد جمع من غير خوف ولا مطر، كما أنه إذا جمع في السفر، وجمع في المدينة، كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر، فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا، ليس نفيا منه للجمع بتلك الأسباب، بل إثبات منه، لأنه جمع بدونها وإن كان قد جمع بها أيضاً.
ولو لم ينقل أنه جمع بها، فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى، فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر، وقد جمع بعرفة / ومزدلفة من غير خوف ولا مطر.
فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه اللّه عن الأمة، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحري، ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بحرج كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور.
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، وروى الثوري في جامعه عن سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية، عن عمر. ورواه يحيي بن سعد، عن يحيي بن صبح: حدثني حميد بن هلال، عن أبي قتادة ـ يعني العدوي: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل له: ثلاث من الكبائر: الجمع بين صلاتين إلا من عذر، والفرار من الزحف، والنهب. قال البيهقي: أبو قتادة أدرك عمر، فإن كان شهده كتب، فهو موصول، وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قويا. وهذا اللفظ يدل على إباحة الجمع للعذر ولم يخص عمر عذرا من عذر. قال البيهقي: وقد روى فيه حديث موصول عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده من لا يحتج به، وهو من رواية سلمان التيمي، عن حَنَش الصنعائي، عن عكرمة عن ابن عباس. ا هـ
و أتمنى من مشايخنا الكرام التعليق على ما سبق .... و جزاكم الله خيرا ..
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[22 - 07 - 05, 08:14 م]ـ
الأقرب أن ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - تعمّد تأجيل الصلاة لأجل الدرس في تلك المرة ليس لأهمية ذلك الدرس ولكن ليعلّم الناس بفعله جواز الجمع للحاجة
اقتداءً بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الذي بيّن جواز الجمع للحاجة بفعله
خاصة وطريقة ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في مثل هذه الأمور التي تحتاج إلى تطبيق عملي حتى ترسخ في الأذهان أنه يفعلها ولو مرة على الملأ لتحفظ وتنقل عنه، كجهره بالقراءة مرة في صلاة الجنازة لأجل تعليم الناس ونظائره، والله أعلم.
ـ[أبو شعبة الأثرى]ــــــــ[24 - 07 - 05, 02:59 ص]ـ
شيخنا الجليل الحبيب الفاضل أبو خالد وليد بن إدريس ... أسأل الله أن يحفظك و يبارك فيك و عليك و يجزيك خيرا ...
لى الشرف أن تكتب فى موضوع لي و ترد على سؤالي ... بارك الله فيك و نفع بك ...
ما كتبته أراه بالفعل رأيا وجيها و أعتقد انه الصحيح و الله اعلم ...
لكن هناك سؤال ...
هل نقول هنا أن العذر أو الحاجه التى يجوز فيها الجمع يقدرها الإمام أو الخطيب؟؟
أى هل هي محل إجتهاد؟؟ إن رأى جواز الجمع لتلك الحاجه جمع أم أن هناك ضوابط؟؟
لأنه قد اُشكل علىّ قول شيخ الإسلام رحمه الله:
فهذا ابن عباس لم يكن في سفر ولا في مطر، وقد استدل بما رواه على ما فعله، فعلم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر، ولكن كان ابن عباس في أمر مهم من أمور المسلمين يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته، ورأي أنه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع
أتمنى الجواب و التوضيح من مشايخنا الكرام ... اسألك الله أن يبارك فيكم جميعا ...
¥