تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الشاطبي:" أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي؛ إذا تكررت في مواضع كثيرة، وأتي بها شواهد على معان أصولية أو فروعيَّة، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص، مع تكررها وإعادة تقررها؛ فذلك دليل على بقائها عل مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وما أشبه .. فما نحن بصدده من هذا القبيل إذ جاء في الأحاديث المتعددة والمتكررة في أوقات شتى وبحسب الأحوال المختلفة: أن كل بدعة ضلالة، وأن كل محدثة بدعه ... وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة، ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها؛ فدل ذلك دلالة واضحة على أنها على عمومها واطلاقها [13] "

ثانياً: وأما قول عمر رضي الله عنه:" نعمت البدعة هذه" فلا حجة لهم في هذا القول من وجوه:

أولاً: أن ما سنه الخلفاء الراشدون من بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو سنة، ولا بدعة فيه ألبتة، وإن لم يعلم في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم نص عليه على الخصوص؛ فقد حاء ما يدل عليه في الجملة، وذلك نص حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، حيث قال فيه: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين والمهديين؛ تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور" فقرن عليه السلام سنة الخلفاء الراشدين بسنته، وأن من أتباع سنته أتباع سنتهم، وأن المحدثات خلاف ذلك ليست منها في شيء؛ لأنهم رضي الله عنهم فيما سنوه:

إما متبعون لسنة نبيهم عليه السلام نفسها، وإما متبعون لما فهموا من سنته صلى الله عليه وسلم في الجملة والتفصيل على وجه يخفى على غيرهم مثله لا زائد على ذلك [14].

ثانياً: عمل عمر رضي الله عنه لبس بدعة في الشريعة، فهو لم يحدث شيئاً جديداً في الدين، فقد صلى الصحابة صلاة التراويح جماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركها خشية أن تفرض عليهم فلما مات صلى الله عليه وسلم ذهبت العلة التي من أجلها تركوا صلاة الجماعة، فأعاد الأمر على ما كان عليه. يقول ابن تيمة:" فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة؛ بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله فإنه قال:" إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه" ولا صلاتها جماعة بدعة بل هي سنة في الشريعة؛ بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين؛ بل ثلاثا. وصلاها أيضا في العشر الأواخر في جماعة مرات. وقال:" إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة [15] " كما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح رواه أهل السنن. وبهذا الحديث أحتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد. وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة، وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد، على عهده صلى الله عليه وسلم، ويقرهم وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم. [16] "

ثالثاً: قول عمر رضي الله عنه:" نعمت البدعة هذه" هي تسمية لغوية لا شرعية. " وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فكل مالم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل، أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر رضي الله عنه، فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة، لأنه عمل مبتدأ، كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة، ويسمى محدثا في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة:"إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاءوا بدين محدث لا يعرف. [17] "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير