تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8].

فالصنف الأول، أهل صدقات، والصنف الثاني، أهل الفىء، كما قال تعالى في الصنف الأول: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} إلى قوله: {لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 271ـ273]، وقال في الصنف الثاني: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} إلى قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} ثم قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 7 - 9]. فذكر المهاجرين والأنصار وكان المهاجرون تغلب / عليهم التجارة، والأنصار تغلب عليهم الزراعة، وقد قال للطائفتين: {أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، فذكر زكاة التجارة وزكاة الخارج من الأرض وهو العشر، أو نصف العشر، أو ربع العشر.

ومن السالكين من يمكنه الكسب مع ذلك وقد قال ـ تعالى ـ لما أمرهم بقيام الليل: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20]، فجعل المسلمين أربعة أصناف، صنفًا أهل القرآن والعلم والعبادة، وصنفًا يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وصنفًا يجاهدون في سبيل الله، والرابع المعذورون.

وأما قول القائل: إن الغذاء والقوام هو من فعل الله، فلا يمكن طلبه كالحياة، فليس كذلك هو، بل ما فعل الله بأسباب يمكن طلبه بطلب الأسباب كما مثله في الحياة والموت، فإن الموت يمكن طلبه ودفعه بالأسباب التي قدرها الله، فإذا أردنا أن يموت عدو الله سعينا في قتله، وإذا أردنا دفع ذلك عن المؤمنين دفعناه بما شرع الله الدفع به، قال تعالى في داود عليه السلام: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80]، وقال تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: 81]، وقال تعالى: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]، وهذا مثل دفع الحر والبرد عنا هو من فعل الله، فاللباس، والاكتساب، ومثل دفع الجوع، والعطش، هو من فعل الله بالطعام والشراب.

/وهذا كما أن إزهاق الروح، هو من فعل الله، ويمكن طلبه بالقتل وحصول العلم والهدى في القلب، هو من فعل الله ويمكن طلبه بأسبابه المأمور بها وبالدعاء.

وقول القائل: إن الله يفعل بسبب وبغير سبب، فمن أين يلزمنا طلب السبب.

جوابه أن يقال له: ليس الأمر كذلك، بل جميع ما يخلقه الله ويقدره إنما يخلقه ويقدره بأسباب، لكن من الأسباب ما يخرج عن قدرة العبد، ومنها ما يكون مقدورًا له، ومن الأسباب ما يفعله العبد، ومنها ما لا يفعله.

والأسباب منها، معتاد، ومنها نادر، فإنه في بعض الأعوام قد يمسك المطر ويغذي الزرع بريح يرسلها، وكما يكثر الطعام والشراب بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والرجل الصالح، فهو أيضًا سبب من الأسباب، ولا ريب أن الرزق قد يأتي على أيدي الخلق، فمن الناس من يأتيه برزقه جنى أو ملك أو بعض الطير والبهائم. وهذا نادر، والجمهور إنما يرزقون بواسطة بني آدم مثل أكثر الذين يعجزون عن الأسباب يرزقون على أيدي من يعطيهم، إما صدقة، وإما هدية، أو نذرًا، وإما غير ذلك، مما يؤتيه الله على أيدي من ييسره لهم.

/وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا ابن آدم، إن تنفق الفضل خير لك، وإن تمسك الفضل شر لك، ولا يلام على كفاف، واليد العليا خير من اليد السفلى)، وفي حديث آخر صحيح: (يد الله هي العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير