ربما ابن مسعود – رضي الله عنه – خاف أن يقيم الجماعة الثانية وهو من خواص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيغتدي به الناس, ويتهاونون بشأن الجماعة ويقولون هذا ابن مسعود – رضي الله عنه – تفوته الجماعة فنحن من باب أولى. وربما كان ابن مسعود – ه – انصرف إلى بيته خشية أن يقع في قلب إمام المسجد شيء فيقول الإمام: ابن مسعود تأخر ليصلي بأصحابه؛ لأنه يكره إمامتي مثلاً, فيقع في قلبه شي.
فالحاصل أنه لم يعرف السبب الذي من أجله ترك ابن مسعود رضي الله عنه – إقامة الجماعة الثانية, وإذا كنا لاندري ما السبب دخل مسألة الاحتمال, والعلماء يقولون: إن الدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال.
ولكن كما قلت أولاً: عندنا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر فيه بإقامة الجماعة الثانية لفوات الأولى, وقال أيضاً (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده)) (1).وهذا عام, ولهذا أود من طلبة العلم أن لا يأخذوا العلم من رجل واحد, فيعتقدوا أنه معصوم من الخطأ, لو كان أحد معصوماً لكان أول من يعصم الصحابة – رضي الله عنهم – وهم يقع منهم الخطأ.
وعلى كل حال الذي نرى أن إقامة الجماعة الثانية من السنة إذا لم يكن ذلك عادة, وأما جعل ذلك أمراً راتباً فهذا هو الذي يكون من البدعة, كما كان في السابق يصلي في المسجد الحرام أربعة أئمة؛ إمام للحنابلة, إمام للشافعية, إمام للمالكية, إمام للحنفية, لكن لما استولى الملك عبدالعزيز – رحمه الله – على مكة ألغى هذا وقال: لايمكن أن يكون في المسجد واحد أربعة أئمة, لأربع جماعات, فثبت إماماً واحداً وهذا هو عين الصواب فرحمه الله.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . وبعد:
سؤالكم إعادة الجماعة في المسجد الواحد بعد الجماعة الأولى.
جوابه: إعادة الجماعة في المسجد الواحد بعد الجماعة الأولى تقع على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون ذلك معتاداً بحيث يكون في المسجد إمامان إذا صلى أحدهما صلى الثاني بعده فهذا منكر؛ لأنه يؤدي إلى تفريق الجماعة فيشبه مسجد ضرار, فإن في مسجد الضرار تفريقاً بين المؤمنين في المكان, وهذا تفريق بينهم في الزمان؛ ولأن ذلك من البدع التي لم تكن معروفة في عهد سلف الأمة.
الوجه الثاني: أن يكون ذلك لعارض مثل أن يدخل جماعة, وقد انتهت الجماعة الأولى, فالأفضل أن يصلوا جماعة ولا يتفرقوا لقول النبي صلي الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل, أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله)) (1). وهذا عام في الجماعة الأولى والثانية التي أقيمت لعارض, ويؤيد العموم ما رواه أحمد وأبو داود و الترمذي وجماعة من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال النبي صلي الله عليه وسلم (من يتصدق على هذا فيصلي معه)) فقام رجل من القوم فصلى معه (2) ,فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقوم معه من يصلي لتحصل الجماعة لهذا الداخل, مع أن القائم معه قد أدى الفريضة, فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حث من أدى الفريضة أن يقوم مع هذا الداخل, فهل يقول قائل: إنه لو دخل رجلان فلا يشرع لهما أن يصليا جمعياً؟!
هذا من أبعد ما يقال, والشريعة الإسلامية لكمالها والتئامها لا يمكن أن تأتي بمشروعية شيء, وتدع ما كان مثله أو أولى منه.
فالجماعة أقيمت مرتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقراره بل بأمره, لكن كانت الثانية عارضة, فلو كان فيها مفسدة لم يكن فرق بين أن يكون الواحد من الجماعة متطوعاً أم مفترضاً, بل المفترض أولى أن يقيم الجماعة؛ لأنه لا يحصل منه شيء من المنة على الثاني؛ لأن كل واحد منهما انتفع بالآخر بحصول الجماعة لهما في فرضيتهما.
وقد جاءت الآثار عن الصحابة – رضي الله عنهم – مؤيدة لذلك فروى ابن شبية في مصنفه عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود (3) ذكره صاحب الفتح الرباني , وقال: إسناده صحيح.
وروى ابن شيبة أيضاً عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد وقد صلوا فصلى بمن معه من جماعة (1) ,قال في المغني ((وهو قول ابن مسعود, وعطاء, والحسن, والنخعي, و قتادة, وإسحاق)).ا. هـ. وهو مذهب الإمام أحمد – رحمه الله – وعليه تدل الأدلة كما سبق, وبها يعرف ضعف القول بعدم مشروعية إقامة الجماعة لمن فاتتهم مع الإمام الراتب, وقد علل الشيرازي صاحب المهذب كراهة الجماعة الثانية بأنه ربما اعتقد أنه قصد الكياد والإفساد, وهذا التعليل إنما ينطبق على من جعل ذلك أمراً معتاداً وهو الوجه الأول الذي ذكرناه, وأما إذا كان ذلك عارضاً فإنه لا ينطبق عليه ذلك, والله أعلم. في 16/ 3/1406هـ.
ـ[رمضان محمد رمضان]ــــــــ[12 - 08 - 05, 11:46 م]ـ
اقامة جماعة بعد الامام الراتب مكروه فى المسجد وجائز فى الردهةاوفى ملحق وان كان مسجد طرقات الا ادا كان المسجد ليس به امام راتب وهذا المشهور عند السادة المالكية
¥