تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذا كان أئمة السنة رحمهم الله تعالى لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره ولا أنه ليس غيره لإن إطلاق الإثبات قد يشعر أن ذلك مباين له وإطلاق النفي قد يشعر بأنه هو هو إذا كان لفظ الغير فيه إجمال فلا يطلق إلا مع البيان والتفصيل: فإن أريد به أن هناك ذاتا مجردة قائمة بنفسها منفصلة عن الصفات الزائدة عليها - فهذا غير صحيح وان أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة - فهذا حق ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها وإنما يفرض الذهن ذاتا وصفة كلا وحده ولكن ليس في الخارج ذات غير موصوفة فإن هذا محال ولو لم يكن إلا صفة الوجود فإنها لا تنفك عن الموجود وإن كان الذهن يفرض ذاتا ووجودا يتصور هذا وحده وهذا وحده لكن لا ينفك أحدهما عن الآخر في الخارج

وقد يقول بعضهم: الصفة لا عين الموصوف ولا غيره هذا له معنى صحيح وهو: أن الصفة ليست عين ذات الموصوف التي يفرضها الذهن مجردة بل هي غيرها وليست غير الموصوف بل الموصوف بصفاته شيء واحد غير متعدد فاذا قلت: أعوذ بالله فقد عذت بالذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال المقدسة الثابتة التي لا تقبل الإنفصال بوجه من الوجوه

وإذا قلت: أعوذ بعزة الله فقد عذت بصفة من صفات الله تعالى ولم أعذ بغير الله وهذا المعنى يفهم من لفظ الذات فإن ذات في أصل معناها لا تستعمل إلا مضافة أي: ذات وجود ذات قدرة ذات عز ذات علم ذات كرم إلى غير ذلك من الصفات فذات كذا بمعنى صاحبة كذا: تأنيث ذو هذا أصل معنى الكلمة فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه وإن كان الذهن قد يفرض ذاتا مجردة عن الصفات كما يفرض المحال و [قد] [قال صلى الله عليه وسلم: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر] و [قال صلى الله عليه وسلم: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق] ولا يعوذ صلى الله عليه وسلم بغير الله وكذا [قال صلى الله عليه وسلم: اللهم اني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك] و [قال صلى الله عليه وسلم: ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا] و [قال صلى الله عليه وسلم: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات]

وكذلك قولهم: الأسم عين المسمى أو غيره؟ وطالما غلط كثير من الناس في ذلك وجهلو الصواب فيه: فالأسم يراد به المسمى تارة [و] يراد به اللفظ الدال عليه أخرى فإذا قلت: قال الله كذا أو سمع الله لمن حمده ونحو ذلك - فهذا المراد به المسمى نفسه وإذا قلت: الله إسم عربي والرحمن إسم عربي والرحيم من أسماء الله تعالى ونحو ذلك - فالأسم ها هنا [هو المراد لا] المسمى ولا يقال غيره لما في لفظ الغير من الإجمال: فان أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا إسم له حتى خلق لنفسه أسماء أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم -: فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى

والشيخ رحمه الله أشار بقوله: ما زال بصفاته قديما قبل خلقه إلى آخر كلامه - إلى الرد على المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة فإنهم قالوا: إنه تعالى صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان ممتنعا وأنه انقلب من الإمتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي! وعلي ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما فإنهم قالوا: إن الفعل صار ممكنا له بعد أن كان ممتنعا منه وأما الكلام عندهم فلا يدخل تحت المشيئة والقدرة بل هو شيء واحد لازم لذاته

وأصل هذا الكلام من الجهمية فإنهم قالوا: إن دوام الحوادث ممتنع وإنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها فيمتنع أن يكون الباري عز وجل لم يزل فاعلا متكلما بمشيئة بل يمتنع أن يكون قادرا على ذلك لأن القدرة على الممتنع ممتنعة! وهذا فاسد فإنه يدل على امتناع حدوث العالم وهو حادث والحادث إذا حدث بعد أن لم يكن محدثا فلا بد أن يكون ممكنا والإمكان ليس له وقت محدود وما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت فيه وليس لإمكان الفعل وجوازه وصحته مبدأ ينتهي إليه فيجب أنه لم يزل الفعل ممكنا جائزا صحيحا فيلزم أنه لم يزل الرب قادرا عليه فيلزم جواز حوادث لا نهاية لأولها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير