تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قالت الجهمية ومن وافقهم: نحن لا نسلم أن إمكان الحوادث لا بداية له لكن نقول إمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا بداية له وذلك لأن الحوادث عندنا تمتنع أن تكون قديمة النوع [بل] يجب حدوث نوعها ويمتنع قدم نوعها لكن لا يجب الحدوث في وقت بعينه فإمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا أول له بخلاف جنس الحوادث

فيقال لهم: هب أنكم تقولون ذلك لكن يقال: إمكان جنس الحوادث عندكم له بداية فإنه صار جنس الحدوث عندكم ممكنا بعد أن لم يكن ممكنا وليس لهذا الإمكان وقت معين بل ما من وقت يفرض إلا والإمكان ثابت قبله فيلزم دوام الإمكان وإلا لزم انقلاب الجنس من الإمتناع إلى الإمكان من غير حدوث شيء ومعلوم أن انقلاب حقيقة جنس الحدوث أو جنس الحوادث أو جنس الفعل أو جنس الأحداث أو ما أشبه هذا من العبارات - من الإمتناع الى الإمكان وهو مصير ذلك ممكنا جائزا بعد أن كان ممتنعا من غير سبب تجدد وهذا ممتنع في صريح العقل وهو أيضا انقلاب الجنس من الإمتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي فإن ذات جنس الحوادث عندهم تصير ممكنة بعد أن كانت ممتنعة وهذا الإنقلاب لا يختص بوقت معين فإنه ما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله فيلزم أنه لم يزل هذا الإنقلاب ممكنا فيلزم أنه لم يزل الممتنع ممكنا! وهذا أبلغ في الإمتناع من قولنا: لم يزل الحادث ممكنا فقد لزمهم فيما فروا إليه أبلغ مما لزمهم فيما فروا منه! فإنه يعقل كون الحادث ممكنا ويعقل أن هذا الإمكان لم يزل وأما كون الممتنع ممكنا فهو ممتنع في نفسه فكيف إذا قيل: لم يزل إمكان هذا الممتنع؟! وهذا مبسوط في موضعه

فالحاصل: أن نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي أم لا؟ أو في المستقبل فقط؟ أو الماضي فقط؟

فيه ثلاثة أقوال معروفة لأهل النظر من المسلمين وغيرهم:

أضعفها: قول من يقول لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل كقول جهم بن صفوان وأبي الهديل العلاف

وثانيها قول من يقول: يمكن دوامها في المستقبل دون الماضي كقول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم

والثالث: قول من يقول: يمكن دوامها في الماضي والمستقبل كما يقوله أئمة الحديث هي [من] المسائل الكبار ولم يقل أحد يمكن دوامها في الماضي دون المستقبل

ولا شك أن جمهور العالم من جميع الطوائف يقولون: إن كل ما سوى الله تعالى مخلوق كائن بعد أن لم يكن وهذا قول الرسل وأتباعهم من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم:

ومن المعلوم بالفطرة أن كون المفعول مقارنا لفاعله لم يزل ولا يزال معه - ممتنع [محال] ولما كان تسلسل الحوادث في المستقبل لا يمنع أن يكون الرب سبحانه هو الآخر الذي ليس بعده شيء فكذا تسلسل الحوادث في الماضي لا يمنع أن يكون سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء فإن الرب سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال يفعل ما يشاء ويتكلم إذا يشاء قال تعالى: {قال كذلك الله يفعل ما يشاء} وقال تعالى: {ولكن الله يفعل ما يريد} وقال تعالى: {ذو العرش المجيد * فعال لما يريد} وقال تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} وقال تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}

والمثبت إنما هو الكمال الممكن الوجود وحينئذ فإذا كان النوع دائما فالممكن والإكيل هو التقدم على كل فرد من الأفراد بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه بوجه من الوجوه

وأما دوام الفعل فهو أيضا من الكمال فإن الفعل إذا كان صفة كمال فدوامه دوام كمال

قالوا: والتسلسل لفظ مجمل لم يرد بنفيه ولا اثباته كتاب ولا سنة ليجب مراعاة لفظه وهو ينقسم إلى واجب وممتنع وممكن: فالتسلسل في المؤثرين محال ممتنع لذاته وهو أن يكون مؤثرون كل واحد منهم استفاد تأثيره مما قبله لا إلى غاية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير