أحدهما عن الآخر، بمنزلة التوضؤ من خروج /النجاسة مع الوضوء من القبلة، فإنه قد يقبل فيمذى، وقد يقبل فلا يمذى وقد يمذى من غير مباشرة.
فإذا قدر أنه لا وضوء من مس النساء، لم ينف الوضوء من المذى وكذلك بالعكس، وهذا بين.
وأضعف من ذلك قول بعضهم: إن المراد بذلك الوضوء اللغوى وهو غسل اليد، أو اليد والفم، فإن هذا باطل من وجوه.
أحدها: أن الوضوء في كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يرد به قط إلا وضوء الصلاة، وإنما ورد بذلك المعنى في لغة اليهود. كما روى: (أن سلمان قال: يا رسول الله، إنه في التوراة من بركة الطعام الوضوء قبله. فقال: من بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده). فهذا الحديث قد تنوزع في صحته، وإذا كان صحيحًا فقد أجاب سلمان باللغة التي خاطبه بها لغة أهل التوراة، وأما اللغة التي خاطب رسول اللّّه صلى الله عليه وسلم بها أهل القرآن فلم يرد فيها الوضوء إلا في الوضوء الذي يعرفه المسلمون.
الثاني: أنه قد فرق بين اللحمين، ومعلوم أن غسل اليد والفم من الغمر مشروع مطلقًا، بل قد ثبت عنه أنه تمضمض من لبن/شربه. وقال: (إن له دسما). وقال: (من بات وبيده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) فإذا كان قد شرع ذلك من اللبن والغمر فكيف لا يشرعه من لحم الغنم.
الثالث: أن الأمر بالتوضؤ من لحم الإبل: إن كان أمر إيجاب امتنع حمله على غسل اليد والفم، وإن كان أمر استحباب امتنع رفع الاستحباب عن لحم الغنم، والحديث فيه أنه رفع عن لحم الغنم، ما أثبته للحم الإبل. وهذا يبطل كونه غسل اليد، سواء كان حكم الحديث إيجابا، أو استحبابًا.
الرابع: أنه قد قرنه بالصلاة في مباركها، مفرقا بين ذلك، وهذا مما يفهم منه وضوء الصلاة قطعا. والله أعلم.
حكم
نقض الوضوء بأكل لحم الإبل
د / علي بن محمد الأخضر العربي
الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية - كلية التربية
فرع جامعة الملك عبد العزيز - بالمدينة
ملخص البحث
يبين البحث أن الفقهاء اختلفوا في كون أكل لحم الإبل ناقضاً للوضوء على قولين:
الأول: يرى أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء، وهو قول الظاهرية، والمعتمد عند الحنابلة، وإليه ذهب الإمام الشافعي في القديم، واختاره بعض فقهاء المالكية كابن العربي وبعض فقهاء الشافعية كابن خزيمة وأبي ثور وابن المنذر والبيهقي والنووي.
الثاني: يرى أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية - في الصحيح عندهم -، والزيدية.
وبعد استعراض أدلة كل فريق بالتفصيل وماورد عليها من مناقشات وردود تبين للباحث رجحان أدلة القائلين بأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وعليه فإن القول الراجح في المسألة هو القول بالنقض.
• • •
مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، قائد الغر المحجلين، وبعد فهذا بحث عن حكم (نقض الوضوء بأكل لحم الإبل)، جمعت فيه آراء الفقهاء في هذه المسألة، وكذلك أدلتهم ومناقشاتهم وردودهم بغية الوصول إلى القول الراجح.
وتنبع أهمية الموضوع من أن الوضوء الطهور، (والطهور شطر الإيمان) كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام ([1]).
وقد قسمت البحث إلى تمهيد ومبحثين وخاتمة:
التمهيد: في معنى الوضوء والنقض والإبل.
المبحث الأول: في رأي القائلين بالنقض وأدلتهم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في رأي القائلين بالنقض.
المطلب الثاني: في أدلة القائلين بالنقض.
المبحث الثاني: في رأي القائلين بعدم النقض وأدلتهم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في رأي القائلين بعدم النقض.
المطلب الثاني: في أدلة القائلين بعدم النقض.
الخاتمة: في بيان القول الراجح وأسباب ترجيحه.
وآخراً أرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعفو عن زلاتنا، ويجبر تقصيرنا، إنه على كل شيء قدير، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمهيد: في معنى الوضوء والنقض والإبل
- في معنى الوضوء:
¥