الوضوء في اللغة ([2]) مشتق من الوضاءة وهي النظافة والحسن، وهو بضم الواو اسم للفعل، وبالفتح اسم للماء الذي يتوضأ به، وفي قول عند أهل اللغة فتح الواو فيها، وفي آخر ضم الواو فيهما، والأول هو المشهور، والأخير هو أضعفها وأما في الاصطلاح الشرعي فسنكتفي بذكر تعريف واحد في كل مذهب:
الحنفية:
الوضوء (هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس) ([3]).
المالكية:
الوضوء (غسل أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص) ([4]).
الشافعية:
الوضوء (أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية) ([5]).
الحنابلة:
الوضوء (استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة وهي الوجه واليدين والرأس والرجلان، على صفة مخصوصة) ([6]).
- في معنى النقض:
النقض في اللغة ([7]) إفساد الشيء بعد إحكامه، تقول: نقضت البناء إذا هدمته ونقضت الحبل إذا حللت برمه، ومن المجاز استعماله في المعاني كنقض العهد والوضوء.
وأما في الاصطلاح الشرعي فالفقهاء متفقون على معنى نقض الوضوء وإن اختلفت عباراتهم، وهذا بعض منها:
الحنفية: قال الإمام الخوارزمي في الكفاية ([8]) - تحت عنوان [فصل في نواقض الوضوء]-:
( ... والنقض متى أضيف إلى الأجسام يراد به إبطال تأليفها، ومتى أضيف إلى غيرها يراد به إخراجه عما هو المطلوب منه ... والمطلوب هنا من الوضوء استباحة الصلاة).
المالكية: قال الإمام البناني في حاشيته على الزرقاني ([9]):
(نقض الوضوء: رفع استمرار حكمه).
الشافعية: قال الإمام الأنصاري في أسنى المطالب ([10]):
(نواقض الوضوء يعني ما ينتهي به الوضوء).
الحنابلة: قال الإمام ابن مفلح في المبدع ([11]):
(النواقض جمع ناقضة ... يقال: نقضت الشيء إذا أفسدته، فنواقض الوضوء مفسداته).
قلت: ويعبر بعض الفقهاء ([12]) عن النواقض بالموجبات أو المفسدات أو المبطلات أو الأحداث، واختلفوا في أي هذه الألفاظ أولى من الآخر ([13]).
في معنى الإبل:
الإبل: بكسر الباء الجمال والنوق، لا واحد لها من لفظها؛ وهي مؤنثة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لازم لها؛ وربما قالوا للإبل إبْل يسكنون الباء للتخفيف، والجمع آبال ([14]).
القائلون بالنقض:
ذهب الظاهرية ([15])، والحنابلة في المعتمد ([16]) عندهم، والشافعي في القديم ([17])، إلى أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وهو قول محمد بن إسحاق ([18])، وأبي خيثمة زهير بن حرب ([19]) ويحي بن يحي النيسابوري ([20])، وإسحاق بن راهويه ([21])، واختاره من الشافعية ابن خزيمة ([22])، وأبو ثور ([23])، وابن المنذر ([24])، والبيهقي ([25])، والنووي ([26])، ومن المالكية ابن العربي ([27]).
قال الإمام الخطابي في معالم السنن ([28]) ( .. ذهب عامة أصحاب الحديث إلى إيجاب الوضوء من أكل لحم الإبل).
أدلة القائلين بالنقض:
الدليل الأول:
ما أخرجه الإمام مسلم ([29]) – وغيره ([30]) – في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ أتوضأ من لحم
الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ، قال: أتوضأ من لحم
الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحم الإبل، قال أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا).
الدليل الثاني:
ما أخرجه الإمام أبو داود ([31]) – وغيره ([32]) – في سننه بسنده عن البراء بن عازب قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحم
الإبل، فقال: توضؤوا منها، وسئل عن لحم الغنم فقال: لا تتوضؤوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها، فإنها بركة).
درجة الحديثين: هذان الحديثان صحيحان كما نص على ذلك أهل العلم بالحديث وإليك بعض أقوالهم.
1 – قال الإمام أحمد بن حنبل: (فيه حديثان صحيحان، حديث البراء وحديث جابر بن سمرة) ([33]).
2 – قال الإمام إسحاق بن راهويه: (صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة) ([34]).
3 – قال الإمام أبو بكر محمد خزيمة في صحيحه ([35]) عقب حديث جابر بن سمرة:
¥