تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذهب أكثر العلماء إلى جواز إعادة الجماعة فِي المساجد فِي الجملة كما فعله أَنَس بْن مَالِك، منهم: عَطَاء وقتادة ومكحول، وَهُوَ قَوْلِ إِسْحَاق وأبي يوسف ومحمد وداود.

واختلف فِيهِ عَن الْحَسَن والنخعي، فروي عنهما كالقولين.

والمشهور: أَنَّهُ يكره ذَلِكَ فِي مسجدي مكة والمدينة خاصة، ويجوز فيما سواهما.

ومن تأخري أصحابه من ألحق بمسجدي مكة والمدينة المسجد الأقصى فِي الكراهة.

وعن أحمد رِوَايَة أخرى: لا يكره بحال.

ومن أصحابنا من كرهه فِي المساجد العظام الَّتِيْ يتولى السلطان عادة ترتيب أئمتها كالجوامع ونحوها؛ لئلا يتطرق بذلك إلى الافتئات عَلِيهِ، ولم يكرهه فِي المساجد الَّتِيْ يرتب أئمتها جيرانها.

وحكي عَن الشَّافِعِيّ، أَنَّهُ يكره إعادة الجماعة فِي مساجد الدروب ونحوها دون مساجد الأسواق الَّتِيْ يكثر فيها تكرار الجماعات، لكثرة استطراق النَّاس إليها؛ دفعاً للحاجة.

ومتى لَمْ يكن للمسجد إمام راتب لَمْ يكره إعادة الجماعة فِيهِ عِنْدَ أحد من العلماء، مَا خلا الليث بْن سعد، فإنه كره الإعادة فِيهِ -أيضاً.

واستدل من لَمْ يكره الإعادة بحديث أَبِي سَعِيد الْخُدرِيَّ، قَالَ: جَاءَ رجلٌ وقد صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

، فَقَالَ: ((أيكم يتجر عَلَى هَذَا؟)) فقام رَجُل، فصلى مَعَهُ.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ?- وهذا لفظه، وَقَالَ: هَذَا حَدِيْث حسن ?- وابن خزيمة وابن حبان فِي ((صحيحهما)) والحاكم، وَقَالَ: صحيح الإسناد.

وقد قواه الإمام أحمد وأخذ بِهِ، وَهُوَ مشكل عَلَى أصله؛ فإنه يكره إعادة الجماعة فِي مسجد المدينة.

وقد اعتذر الإمام أحمد عَنْهُ من وجهين:

أحدهما: أن رغبة الصَّحَابَة فِي الصلاة مَعَ النَّبِيّ r كَانَتْ متوفرة، وإنما كَانَ يتخلف من لَهُ عذر، وأما بعده فليس كذلك، فكره تفريق الجماعات فِي المسجدين الفاضلين توقيراً للجماعة فيهما.

والثاني: أن هَذَا يغتفر فِي الجماعة القليلة دون الكثيرة، ولهذا لَمْ يأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

أكثر من واحد بالصلاة مَعَهُ.

وكذلك قَالَ أحمد فِي الجماعة تفوتهم الجمعة: إنهم إن كانوا ثَلاَثَة صلوا جماعةً، فإن كثروا فتوقف فِي صلاتهم جماعةً، وَقَالَ: لا أعرفه.

ومأخذه فِي ذَلِكَ: أن فِي إظهار صلاة الظهر يوم الجمعة فِي المساجد افتئاتاً عَلَى الأئمة، ويتستر بِهِ أهل البدع إلى ترك الجمعة، وصلاة الظهر فِي المساجد كسائر الأيام.

وقد كره طائفة من السلف لمن فاتته الجمعة أن يصلوا جماعة، منهم: الْحَسَن وأبو قلابة، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي حنيفة.

ورويت الرخصة فِيهِ عَن ابن مَسْعُود وإياس بْن معاوية، وَهُوَ قَوْلِ الشَّافِعِيّ وأحمد وإسحاق.

وعن أحمد رِوَايَة: أَنَّهُ يكره صلاة الظهر جماعة إذ كثروا، ولا يكره إذا قلوا. وقد ذكرناها آنفاً.

ومن أصحابنا من كره الجماعة فِي مكان الجمعة خاصة.

واختلف فِيهِ عَن الثوري ومالك.

وروي عَن حذيفة وزيد بْن ثابت، أن من فاتته الجمعة لا يصلي الظهر فِي المسجد بالكلية حياء من النَّاس.

قَالَ حذيفة: لا خير فيمن لا حياء فِيهِ.

وَقَالَ زيد: من لا يستحي من النَّاس لا يستحي من الله.

وقد روي فِي حَدِيْث أَنَس الموقوف الَّذِي علقه البخاري زيادة: أَنَّهُ أمر بعض أصحابه فأذن وصلى ركعتين، ثُمَّ أمره فأقام ثُمَّ تقدم أَنَس فصلى بهم.

خرجه عَبْد الرزاق عَن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان، عَن الجعد، عَن أَنَس.

وخرجه الجوزجاني من رِوَايَة ابن علية، عَن الجعد، قَالَ: كنا فِي مسجد بني رِفَاعَة، فجاء أَنَس بْن مَالِك ومعه نفر، وقد صلينا صلاة الصبح، فَقَالَ: أصليتم؟ قَالَ: نَعَمْ، فإذن رَجُل من القوم، ثُمَّ صلوا ركعتين، ثُمَّ أقام، ثُمَّ تقدم أَنَس فصلى بهم.

وهذا يدل عَلَى أن من دَخَلَ مسجداً قَدْ صلي فِيهِ والوقت باقٍ، فإنه يجوز لَهُ أن يتطوع قَبْلَ صلاة المكتوبة، ويصلي السنن الرواتب قَبْلَ الفرائض، وَهُوَ قَوْلِ الأكثرين، منهم: [ .. .. .. ] وأبو حنيفة ومالك والشافعي.

وقالت طائفة: يبدأ بالمكتوبة، منهم: ابن عُمَر -: رواه مَالِك وأيوب وابن جُرَيْج، عَن نافعٍ، عَنْهُ.

وكذا روي عَن عَبْد الرحمن بْن أَبِي ليلى والشعبي والنخعي وعطاء، وَهُوَ قَوْلِ الثوري والحسن بْن حي والليث بْن سعد.

وعن الْحَسَن، قَالَ: ابدأ بالمكتوبة إلا ركعتي الفجر.

وكذا قَوْلِ الثوري.

واختلفت الرواية عَن أحمد فِي ذَلِكَ:

فنقل عَنْهُ ابن منصور وصالح وحنبل: يبدأ بالمكتوبة، واستدل فِي رِوَايَة ابن منصور وصالح بما روي عَن ابن عُمَر.

ونقل عَنْهُ أبو الْقَاسِم البغوي، فِي الرَّجُلُ يخرج إلى المسجد فيجدهم قَدْ صلوا، ووجد رجلاً يتطوع: أيتطوع حَتَّى يجيء الرَّجُلُ؟ قَالَ: إن شاء تطوع.

ومن كره ذَلِكَ جعل الدخول إلى المسجد لإرادة الصلاة المكتوبة كإقامة الصلاة، فلا يبدأ قبلها بشيء وإنما يشرع التطوع لمن ينتظر الإمام؛ لأنه إذا لَمْ يخرج إلى النَّاس لَمْ يمنعوا من التطوع.

ولو كَانَتْ الصلاة فِي غير مسجد فله أن يتطوع قَبْلَ المكتوبة -: قاله عَطَاء وغيره.

وقياس هَذَا: أن الإمام إذا حضر المسجد، فإنه يكره لَهُ أن يتطوع قَبْلَ المكتوبة - أيضاً.

وقد ذكرنا فيها تقدم فِي ((بَاب: متى يقوم النَّاس إذا رأوا الإمام)) الحَدِيْث الَّذِي خرجه أبو داود، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ حِينَ تقام الصلاة فِي المسجد إذا رآهم قليلاً جلس ثُمَّ صلى، وإذا رآهم جماعة صلى.

وخرجه البيهقي، ولفظه: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإذا رأى أهل المسجد قليلاً جلس حَتَّى يرى منهم جماعة ثُمَّ يصلي.

وقد تقدم فِي ((بَاب: القيام للصلاة)) الحَدِيْث المرسل، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ وبلال فِي الإقامة فجلس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير