ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 03:40 م]ـ
المسألة السادسة:
إذا تبين أن الجهمية منهم النفاة ومنهم الحلولية فإنه يستحسن المقام قليلا في مجلس لابن تيمية عقد فيه مقارنة بين طائفتي الجهمية الحلولية والنفاة قال رحمه الله:
قال ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (6/ 148):
فكان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يبينون فساد قول الجهمية سواء قالوا: إنه في كل مكان أو قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه أو قالوا: إنه في العالم أو خارج العالم إذ جماع قولهم أنه ليس مباينا للعالم مختصا بما فوق العالم.
ثم هم مع هذا مضطربون يقولون هذا تارة وهذا تارة ولا يمكن بعض طوائفهم أن يفسد مقالة الأخرى لاشتراكهم في الأصل الفاسد.
ولهذا كان الحلولية والاتحادية منهم الذين يقولون: إنه في كل مكان يحتجون على النفاة منهم الذين يقولون: ليس مباينا للعالم ولا مداخلا له بأنا قد اتفقنا على أنه ليس فوق العالم وإذا ثبت ذلك تعين مداخلته للعالم إما أن يكون وجوده وجود العالم أو يحل في العالم أو يتحد به كما قد عرف من مقالاتهم.
والذين أنكروا الحلول والاتحاد من الجهمية ليست لهم على هؤلاء حجة إلا من جنس حجة المثبتة عليهم وهو قول المثبتة: إن ما لا يكون لا داخلا ولا مباينا غير موجود فإن أقروا بصحة هذه الحجة بطل قولهم وإن لم يقروا بصحتها أمكن إخوانهم الجهمية الحلولية أن لا يقروا بصحة حجتهم إذ هما من جنس واحد.
.....
وقال ص 154:
وأما الأئمة الذين ردوا على الحلولية فأبطلوا نفس ما ادعوه وإن كان هؤلاء لا يقرون بأنا نقول بالحلول كما لا يقر القائلون بأنه لا داخل العالم ولا خارجه بالتعطيل فلزوم الحلول لهؤلاء كلزوم التعطيل لهؤلاء والتعطيل شر من الحلول.
ولهذا كان العامة من الجهمية إنما يعتقدون أنه في كل مكان وخاصتهم لا تظهر لعامتهم إلا هذا لأن العقول تنفر عن التعطيل أعظم من نفرتها عن الحلول وتنكر قول من يقول: إنه لا داخل العالم ولا خارجه أعظم مما تنكر أنه في كل مكان فكان السلف يردون خير قوليهم وأقربهما إلى المعقول وذلك مستلزم فساد القول الآخر بطريق الأولى.
ومن العجب أن الجهمية من المعتزلة وغيرهم ينسبون المثبتين للصفات إلى قول النصارى .... وهم أشبه بالنصارى لأنه يلزمهم أن يقولوا: إنه في كل مكان وهذا أعظم من قول النصارى أو أن يقولوا ما هو شر من هذا وهو أنه لا داخل العالم ولا خارجه.
قال ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (6/ 155):
ولهذا كان غير واحد من العلماء كعبد العزيز المكي وغيره يردون عليهم بمثل هذا ويقولون: إذا كان المسلمون كفروا من يقول:إنه حل في المسيح وحده فمن قال بالحلول في جميع الموجودات أعظم كفرا من النصارى بكثير.
وهم لا يمكنهم أن يردوا على من قال بالحلول إن لم يقولوا بقول أهل الإثبات القائلين بماينته للعالم فيلزمهم أحد الأمرين: إما قول أهل الحلول مع قولهم بالنفي الذي هو شر منه وإنما يمكن ذلك لأهل الإثبات.
وهم وإن قالوا: إن مذهب النصارى والحلولية أخس من أن يلتفت إليه فلا يقدرون على إبطاله مع قولهم بالتجهم ولهذا لم يكن فيما ذكروه حجة على إبطاله فيلزمهم إما إمكان تصحيح قول النصارى والحلولية وإما إبطال قولهم وهذا لا حيلة فيه لمن تدبر ذلك.
...... والعارف المحقق عندهم من لا يقتصر على بعض المظاهر والمجالى بل يعبد كل شيء كما قد صرح بذلك ابن عربي صاحب الفتوحات المكية وفصوص الحكم وأمثاله من أئمة هؤلاء الجهمية القائلين بوحدة الوجود الذين هم محققوا أهل الحلول والاتحاد ولهذا كان لهؤلاء الظهور والاستطالة على نفاة الحلول والمباينة جميعا بل هؤلاء يخضعون لأولئك ويعتقدون فيهم ولاية الله ويناصرونهم على أهل الإيمان القائلين بماينة الخالق للمخلوق كما قد رأيناه وجربناه.
وسبب ذلك أن قول هؤلاء الحلولية والاتحادية مسقف بالتأله والتعبد والتصوف والأخلاق ودعوى المكاشفات والمخاطبات ونحو ذلك مما لا يكاد يفهمه أكثر النفاة فإذا كانوا لا يفهمون حقيقة قولهم سلموا إليهم ما يقولونه وظنوا أن هذا من جنس كلام أكابر أولياء الله الذين أطلعهم الله من الحقائق على ما يقصر عنه عقول أكثر الخلائق وسلموا لهم ما لا يفهمونه من أقوالهم كما يسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يفهموه من أقواله ...
¥