تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهكذا نفاة العلو والصفاة من الجهمية أو نفاة العلو وحده إذا سمعوا النصوص الإلهية المثبتة للعلو والصفات أعرضوا عن فهم معناها وإثبات موجبها ومقتضاها وآمنوا بألفاظ لا يعرفون مغزاها وآمنوا للرسول إيمانا مجملا بأنه لا يقول إلا حقا ولم يكن في قلوبهم من العلم بمباينة الله لخلقه وعلوه عليهم ما ينفون به بدعة الحلولية والاتحادية وأمثالهم لأن أحد المتقابلين إنما يرتفع عن القلب بإثبات مقابله وأحد النقيضين لا يزول عن القلب زوالا مستقرا إلا بإثبات نقيضه.

فإذا كان حقيقة الأمر أن الرب تعالى: إما مباين للعالم وإما مداخل له كان من لم يثبت المباينة لم يكن عنده ما ينافي المداخلة بل إما أن يقر بالمداخلة وإما أن يبقى خاليا عن اعتقاد المتقابلين المتناقضين ولا يمكنه مع عدم اعتقاد نقيض قول أن يعتقد فساده

ولا ينكره ولا يرده بل يبقى بمنزلة من سمع أن محمدا قال: إنه رسول الله وأن مسيلمة قال: إنه رسول الله وهو لم يصدق واحدا منهما فمثل هذا يمتنع أن يرد على مسيلمة أو يكذبه.

فهذا من كان لم يقر بأن الخالق تعالى مباين للمخلوق لم يمكنه أن يناقض قول من يقول بالحلول والاتحاد بل غايته أن لا يوافقه كما لم يوافق قول أهل الاثبات فهو لم يؤمن بما قاله محمد رسول الله والمؤمنون به ولا بما قاله مخالفوه الدجالون الكذابون من أهل الحلول والاتحاد وغيرهم من نفاة العلو

وقول النفاة للمباينة والمداخلة جميعا لما كان في حقيقة الأمر نفيا للمتقابلين المتناقضين بمنزلة قول القرامطة الذين يقولون: لا حي ولا ميت ولا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز كان قولهم في العقل أفسد من قول من لا يؤمن بمحمد ولا بمسيلمة فإن كلاهما مبطل لكن بطلان سلب النقيضين وما هو في معنى النقيضين أبين في العقل من الإقرار بنبوة رسول من رسل الله صلى الله عليهم أجمعين فلهذا لا تكاد تجد أحدا من نفاة المباينة والمداخلة جميعا أو من الواقفة في المباينة يمكنه مناقضة الحلولية والاتحادية مناقضة يبطل بها قولهم بل أي حجة احتج بها عليهم عارضوه بمثلها وكانت حجتهم أقوى من حجته.

ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[06 - 09 - 05, 03:41 م]ـ

المسألة السابعة (وهي بيت القصيد ومحط الرحال):

إذا انتهينا مما تقدم ومعرفة الفرق بين الجمهية النفاة والجهمية الحلولية وكذلك معرفة سبب وسم هؤلاء الحلولية بالجهمية فإنه حينئذ تحين الساعة التي يتسلط فيها الضوء على هذه الطائفة من الحلولية الجهمية التي امتنع ابن تيمية رحمه الله عن تكفيرها من خلال كلام ابن تيمية نفسه فإن ابن تيمية رحمه الله وإن كان يعتبر كفر أهل الحلول المحض فإن هذا لا يعني بالضرورة تكفير كل من انتسب إليهم وإليك بيان ذلك:

.. قال رحمه الله في حكم الاتحادية ومن اعتذر عنهم:

فصل:

وقد يقع بعض من غلب عليه الحال في نوع من الحلول أو الاتحاد، فإن الاتحاد فيه حق وباطل، لكن لما ورد عليه ما غيب عقله أو أفناه عما سوى محبوبه، ولم يكن ذلك بذنب منه، كان معذورًا غير معاقب عليه ما دام غير عاقل، فإن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وإن كان مخطئا في ذلك كان داخلا في قوله: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وقال: {وَلَيْسَ عليكم جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ} [الأحزاب: 5].

وهذا كما يحكى أن رجلين كان أحدهما يحب الآخر فوقع المحبوب في اليم، فألقى الآخر نفسه خلفه. فقال: أنا وقعت، فما الذي أوقعك؟ فقال: غبت بك عني، فظننت أنك أنِّي.

فهذه الحال تعتري كثيرا من أهل المحبة والإرادة في جانب الحق، وفي غير جانبه، وإن كان فيها نقص وخطأ فإنه يغيب بمحبوبه عن حبه وعن نفسه، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن عرفانه، وبمشهوده عن شهوده، وبموجوده عن وجوده، فلا يشعر حينئذ بالتمييز ولا بوجوده، فقد يقول في هذه الحال: أنا الحق أو سبحاني، أو ما في الجبة إلا الله ونحو ذلك، وهو سكران بوجد المحبة الذي هو لذة وسرور بلا تمييز.

وذلك السكران، يطوى ولا يروى إذا لم يكن سكره بسبب محظور.

فأما إذا كان السبب محظورًا، لم يكن السكران معذورا.

وأما أهل الحلول، فمنهم من يغلب عليه شهود القلب وتجليه، حتى يتوهم أنه رأى الله بعيني رأسه.

ولهذا ذكر ذلك طائفة من العباد الأصحاء، غلطًا منهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير