تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ثبت في صحيح مسلم: عن النواس بن سمعان: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال، ودعواه الربوبية، قال: (واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت)، وروى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخرى متعددة حسنة في حديث الدجال.

فإنه لما ادعى الربوبية، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فرقانين ظاهرين لكل أحد:

أحدهما: أنه أعور، والله ليس بأعور.

الثاني: أن أحدًا منا لن يرى ربه حتى يموت، وهذا إنما ذكره في الدجال مع كونه كافرًا؛ لأنه يظهر عليه من الخوارق التي تُقَوِّى الشبهة في قلوب العامة.

فصل:

فإذا عرف الاتحاد المعين مما يشبه الحلول أو الاتحاد الذي فيه نوع حق تبين أيضا ما في المطلق من ذلك.

فنقول: لا ريب أن الله رب العالمين، رب السموات والأرضين وما بينهما ورب العرش العظيم، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا، ربكم ورب آبائكم الأولىن، رب الناس ملك الناس إله الناس، وهو خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى.

وهو رب كل شيء ومليكه، وهو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، الرحمن على العرش استوى، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود: 56]

ثم قال رحمه الله:

وإذا كان كذلك، فجميع الكائنات آيات له، شاهدة دالة مظهرة لما هو مستحق له من الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وعن مقتضي أسمائه وصفاته خلق الكائنات.

فإن الرحم شُجْنَة من الرحمن، خلق الرحم وشق لها من اسمه، وهو الرزاق ذو القوة المتين، يرزق من يشاء بغير حساب، وهو الهادي النصير، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وهو الحكيم العلىم الرحيم، الذي أظهر من آثار علمه وحكمته ورحمته ما لا يحصيه إلا هو.

فهو رب العالمين، والعالمون ممتلئون بما فيهم من آثار أسمائه وصفاته، وكل شيء يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، من الناس من يدرك ما فيها من الدلالة والشهادة بالعلم والمعرفة، ومن خرق الله سمعه سمع تأويب الجبال والطير، وعلم منطق الطير.

فإذا فسر ظهوره وتجليه بهذا المعنى، فهذا صحيح، ولكن لفظ الظهور والتجلي فيه إجمال، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

وإذا قال القائل: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله؛ لأنه ربه، والرب متقدم على العبد، أو رأيت الله بعده، لأنه آيته ودليله وشاهده، والعلم بالمدلول بعد الدليل، أو رأيت الله فيه، بمعنى ظهور آثار الصانع في صنعته، فهذا صحيح. بل القرآن كله يبين هذا ويدل عليه، وهو دين المرسلين، وسبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهو اعتقاد المسلمين أهل السنة والجماعة، ومن يدخل فيهم من أهل العلم والإيمان، ذوي المعرفة واليقين أولياء الله المتقين.

فصل:

في الغلط في ذلك

ثم إن كثيرًا من أهل التوجه إلى الله إذا أقبلوا على ذكره وعبادته والإنابة إليه، شهدوا بقلوبهم هذه الربوبية الجامعة، وهذه الإحاطة العامة، فإنه بكل شيء محيط، وهو ـ سبحانه ـ الحق الذي خلق السموات والأرض، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وهو ـ سبحانه ـ نور السموات والأرض {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} الآية [النور: 35]

وهو ـ سبحانه ـ ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات من نور وجهه. هكذا قال عبدالله بن مسعود: (لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، أو النار، لو كشفها لأحرقت سبُحَات وجهه ما أدركه بصره من خلقه)، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير