تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول ابن تيمية: (من خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابداً له، ولو أحبّ شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، كما قد يحبّ الرجل ولده وصديقه، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله - تعالى -، بل يجب أن يكون الله أحبّ إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله) (14).

ويقول ابن القيّم: (والعبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع؛ فمن أحببته ولم تكن خاضعاً له، لم تكن عابداً له، ومن خضعت له بلا محبة، لم تكن عابداً له، حتى تكون محباً خاضعاً) (15).

ومن القواعد أيضاً:

كل من استكبر عن عبادة الله - تعالى -، فلا بد أن يعبد غيره.

يقرر ابن تيمية ذلك بقوله: (الاستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكباراً عن عبادة الله، كان أعظم إشراكاً بالله؛ لأنه كلما استكبر عن عبادة الله - تعالى -، ازداد فقراً وحاجة إلى المراد المحبوب الذي هو المقصود).

فلا بد لكل عبد من مراد محبوب هو منتهى حبه وإرادته، فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه من إرادته، بل استكبر عن ذلك، فلا بد أن يكون له مراد محبوب يستعبده غير الله، فيكون عبداً لذلك المراد المحبوب: إما المال، وإما الجاه، وإما الصور، وإما ما يتخذه إلهاً من دون الله) (16).

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في موضع آخر: (وهكذا أهل البدع لا تجد أحداً ترك بعض السنة التي يجب التصديق بها والعمل إلا وقع في بدعة، ولا تجد صاحب بدعة إلا ترك شيئاً من السنة، كما جاء في الحديث: (ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها) (17) رواه الإمام أحمد.

وقد قال - تعالى: ((فَنَسُوا حَظاً مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)) [المائدة: 14]، فلما تركوا حظاً مما ذكروا به اعتاضوا بغيره، فوقعت بينهم العداوة والبغضاء، وقال تعالى: ((اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ)) [الأعراف: 3] فأمر باتباع ما أنزل، ونهى عما يضاد ذلك وهو اتباع أولياء من دونه، فمن لم يتبع أحدهما اتبع الآخر.

وكذلك من لم يفعل المأمور، فعل بعض المحظور، ومن فعل المحظور، لم يفعل جميع المأمور، فلا يمكن لإنسان أن يفعل جميع ما أمر به مع فعله لبعض ما حظر، ولا يمكنه ترك كل ما حظر مع تركه لبعض ما أمر) (18).

ويقول ابن القيم - رحمه الله: (كل من أعرض عن شيء من الحق وجحده، وقع في باطل مقابل لما أعرض عنه من الحق وجحده ولا بد، حتى في الأعمال، فمن رغب عن العمل لوجه الله وحده ابتلاه الله بالعمل لوجوه الخلق، فرغب عن العمل لمن ضرّه ونفعه وموته وحياته وسعادته بيده، فابتلي بالعمل لمن لا يملك له شيئاً من ذلك، وكذلك من رغب عن إنفاق ماله في طاعة الله ابتلي بإنفاقه لغير الله وهو راغم، وكذلك من رغب عن التعب لله ابتلي بالتعب في خدمة الخلق ولا بدّ، وكذلك من رغب عن الهدى بالوحي، ابتلي بكناسة الآراء وزبالة الأذهان ووسخ الأفكار) (19).

ويؤكد العلاّمة عبد الرحمن السعدي هذه القاعدة قائلاً: (لما كان من العوائد القدسية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكن الانتفاع به ولم ينتفع، ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن، ابتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذلّ لربه، ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل) (20).

ومن أجل مسائل هذا الموضوع:

العبودية الباطنة والقيام بعبودية القلب؛ فإن أعمال القلب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كل وقت (21).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير