قال النووي: "وفيه جواز إمساك بعض العلوم التي لا حاجة إليها للمصلحة أو خوف المفسدة". (19)
وقد عقد الإمام البخاري باباً فقال: "باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وأورد قول علي -رضي الله عنه-: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟
وللحافظ ابن حجر كلام نفيس في هذا المقام حيث يقول: " وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود "ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" رواه مسلم.
وعن الحسن البصري أنه أنكر تحديث أنس بن مالك للحجاج بن يوسف بقصة العُرَنييَّن، لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخش عليه الأخذ بظاهره مطلوب (**) " (20)
وساق مسلم بسنده إلى منصور بن عبد الرحمن الأشل البصري عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول: أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم. قال منصور: قد والله روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكني أكره أن يروى عني ههنا بالبصرة. (21)
والسبب في ذلك كما ذكر النووي - أن البصرة كانت مملوءة من المعتزلة والخوارج الذين يقولون بتخليد العصاه في النار، ويسلبون عنهم جميع الإيمان، فخشي منصور أن يتأول هؤلاء المبتدعة هذا الحديث على حسب أهوائهم.
نسأل الله تعالى لجميع المسلمين الفقه في الدين وبالله التوفيق.
الهوامش:
(*) لا يصح أن يقال: إن بعض مسائل الشرع مما لا تقبله العقول لأن العقل والنقل من الله تعالى ويستحيل اختلافهما وإن حصل فلعل هناك أسباباً تعود لعدم فهم النصوص على الوجه المطلوب. ولشيخ الإسلام كتاب هام في ببان موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول وهو المعروف بـ (درء تعارض النقل والعقل).
- البيان -
(**) وبالطبع ليس من هذا الباب ما تزعمه بعض الفرق المبتدعة من أن الرسول حبس بعض العلوم عن الناس وقصرها على بعض، فهذا ادعاء باطل واتهام للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالخيانة - حاشاه - وإنما قصدهم إضاعة ما يدعونه من دعاوى باطلة، وتعضيدها بالنصوص المزعومة، وحسبك بيان العلماء لهذا الباب.
المصادر:
1 - مدراج السالكين 2/ 147
2 - الفتاوى 13/ 28
3 - الفتاوى 3 1/ 35 1، 36 1
4 - الصواعق المرسلة 4/ 1560، 1561 باختصار
5 - التمهيد 6/ 14
6 - السنة للخلال 3/ 579
7 - تعظيم قدر الصلاة 1/ 504،505
8 - عقيدة السلف ص 117
9 - شرح النووي على مسلم 17/ 372
10 - واخرجه احمد وإسناده صحيح
11 - وأخرجه أحمد والترمذي وهو صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 6/ 253
12 - الموافقات 2/ 2ب4
13 - الفتاوى 6/ 59
14 - الموافقات 4/ 189
15 - الموافقات 4/ 191
16 - شرح النووى على مسلم 1/ 229
17 - شرح النووي على مسلم 1/ 241
18 - الفتح 11/ 340
19 - شرح النووي على مسلم 1/ 240
20 - الفتح 1/ 225
21 - شرح النووي على مسلم 2/ 57
CD مجلة البيان