تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعل قارئاً يقول: إن كان التصوف المعاصر ينقض أصلَيِ الإسلام: عبادة الله ـ تعالى ـ وحده لا شريك له، واتباع سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم -، فما سر انتشاره؟ فلا شك أن غلبة الجهل بدين الله ـ تعالى ـ من أبرز أسباب ذاك الانتشار؛ ولذا فإن أعظم أسباب وأد التصوف بذل الجهود، وتقديم البرامج في تقرير إفراد الله ـ تعالى ـ بالعبادة، وإظهار سنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم -.

كما أن النفوس المتفلتة من الشرع المنزّل، والمسترسلة مع أهوائها وملذاتها، تجد في التصوف بغيتها، وتلوذ بأقوام يتدينون بالغناء والرقص وصحبة المردان ويجعلون ذلك قربة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولقد حدّثني بعض المشايخ أن بعض ملوك فارس لقي شيخاً (أي المتصوفة) وقد جمع الناس على اجتماع (وأحضر فيه من الصور الجميلة والأصوات المطربة ما أحضر)، فقال له: يا شيخ! إن كان هذا هو طريق الجنة؛ فأين طريق النار؟» (8).

وقال ابن القيم: «وحكى لي شخص آخر أن مغنياً عزم على التوبة، فقيل له: عليك بصحبة الفقراء (أي الصوفية) فإنهم يعملون على حصول الأجر، والزهد في الدنيا، فصحبهم، فصاروا يستعملونه في السماع، ولا تكاد التوبة تنتهي إليه، لتزاحمهم عليه فترك صحبتهم، وقال: أنا كنت عمري تائباً ولا أدري» (9).

وانظر ما يسمى بـ (طبقات الأولياء) للشعراني، وما سوّده من كرامات السيد وحيش الذي كان يقارف الفواحش والقاذورات .. ومع الحمير!! وما قام به ولي آخر من خطبة الجمعة وهو عريان؛ أفليس هؤلاء أولياء الشيطان؟

وانظر ما كتبه الجبرتي عما يحصل في مولد العفيفي (ت 1172هـ) من أنواع الخنا والفجور (10).

ويصف الشيخ عبد الرحمن الوكيل ـ رحمه الله ـ موالد الصوفية قائلاً: «وسل الأمين تلك الموالد عن عربدة الشيطان في باحاتها، وعن الإثم المهتوك في حاناتها، وعن حمم الشهوات التي تتفجر تحت سود ليلاتها؛ فما ينقضي في مصر أسبوع إلا وتحشد الصوفية أساطير شركها، وعبّاد أوثانها عند مقبرة يسبِّحون بحمد جيفتها، ويقترفون خطايا المجوسية في حمأتها، ويحتسون آثام الخمر و «الحشيش» والأجساد التي طرحها الليل على الإثم فجوراً ومعصية» (11).

إن التصوف الآن أفيون لمتعاطيه؛ فالتصوف غارق في مصطلحات الغناء والسكر والاصطلاح ونحو ذلك مما يحصل به غيبة العقل وزواله، وأرباب التصوف سادرون في الصعق والوجد و «العشق الإلهي»!

ومن أسباب انتشار التصوف ما يتحلى به المتصوفة من خيانة وعمالة للمستعمر، ومسارعة في الخنوع والانبطاح للأنظمة والحكومات.

ومن ذلك أن (ليون روش) الفرنسي قام برحلة إلى مصر سنة 1842م متنكراً في زي حاج مسلم، من أجل الحصول على موافقة من العلماء على نص فتوى جاء بها من الجزائر تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، ومن ثم ضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر، وعدم شرعية المقاومة التي يقودها الأمير عبد القادر الجزائري، وقد شارك (روش) في هذه الرحلة وصياغة مجموعة من شيوخ الصوفية (12).

لذا لا غرابة أن يختار الغربُ التصوف سلاحاً في سبيل مواجهة المدّ السني السلفي.

وإن تفريط أهل السنة وتقصيرهم من أسباب انتشار التصوف، فقد فرّط بعض أهل السنة في تقرير وتحقيق أعمال القلوب، وما يتعلق بمسائل السلوك، وتزكية النفوس، والرقائق مع جلالة هذه الموضوعات، ومسيس الحاجة إلى الاشتغال.

وكذا تفريط بعض إخواننا في دعوة المتصوفة، ومناظرتهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن، والردّ على انحرافاتهم بعلم وعدل.

فنسأل الله ـ تعالى ـ أن يهدي ضال المسلمين، وأن يثبت مطيعهم وبالله التوفيق.


(1) الفتاوى، 11/ 28، 29 = باختصار وتصرف.
(2) انظر: الاعتصام، 1/ 265 ـ 269.
(3) انظر: بسط ذلك في الاستقامة، لابن تيمية، 1/ 92، 93، ومجموع الفتاوى، 10/ 497، ومنهاج السنة، 5/ 40.
(4) الاستقامة، 1/ 268.
(5) منهاج السنة النبوية، 5/ 328، 329 = باختصار.
(6) تأملات في الدين والحياة، ص 173.
(7) انظر: الحركة السنوسية في ليبيا، للدكتور علي الصلابي، 1/ 147 ـ 174.
(8) الاستقامة، 1/ 317 = بتصرف يسير، وانظر: السماع، لابن القيم، ص 342.
(9) السماع، لابن القيم، ص 342.
(10) تاريخ الجبرتي، 1/ 304.
(11) هذه هي الصوفية، ص 160، 161 = باختصار.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير