تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما عن أعداء هذه الدعوة السلفية ممن شرق بها، فأظهروا العداوة والصد عن دين الله، فنجد أن الشيخ يخاطبهم وبما يناسب حالهم بأسلوب فيه شدة وغلظة، بعد أن استعمل معهم أسلوب اللين والملاطفة. يقول الشيخ مخاطباً أحد مراسليه عند الحديث عن خصومه:» هذا ابن إسماعيل والمويس وابن عبيد جاءتنا خطوطهم في إنكار دين الإسلام، وكاتبناهم، ونقلنا لهم العبارات، وخاطبناهم بالتي هي أحسن وما زادهم ذلك إلا نفوراً «(7) ويقول عن عبد الحق المويس بالذات:» استدعيته أولاً بالملاطفة، وصبرت منه على أشياء عظيمة «(8) فلما ظهرت عداوتهم، ولم ينفع معهم الأسلوب اللين، استعمل الشيخ معهم الشدة والحزم، فها هو يقول عن أحد خصومه الألداء وهو ابن سحيم:» لولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا دين الرسول، وأنهم يستنكرون الأمر الذي لم يألفوه، لكان شأن آخر، بل والله الذي لا إله إلا هو لو يعرف الناس الأمر على وجهه، لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله، ووجوب قتالهم، كما أجمع على ذلك أهل العلم كلهم، لا أجد في نفسي حرجاً من ذلك «(9) ويخاطب ابن سحيم قائلاً له:» ولكن أنت رجل جاهل مشرك مبغض لدين الله، وتلبس على الجهال «(10) لقد كان الشيخ رحمه الله حاد المزاج (11) وقد صرف حدته في مكانها الصحيح، فجعلها في الانتصار لدين الله، والغيرة على محارم الله، والعداوة والبراءة من الشرك وأهله.

3 - ويظهر فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب لنفوس المخاطبين والمدعوين، ويدرك ما قد يعتري النفس البشرية -أحياناً- من استعلاء،واستكبار عن قبول حق جاء من شخص لا تميل إليه تلك النفس، فيخاطب تلك النفوس ويوجهها إلى التضرع إلى الله وسؤاله الهداية فيما اختلف فيه من الحق، ومرة يخاطبها بالرجوع إلى كتب أهل العلم دون الرجوع إليه، ومرة ثالثة يرشدها إلى تدبر آيات القرآن الكريم.

يقول رحمه الله مخاطباً أحد مراسليه:» وإن أردت النظر في أعلام الموقعين فعليك بالمناظرة في أثنائه بين مقلد وصاحب حجة، وإن لقي ذهنك أن ابن القيم مبتدع (12)، وأن الآيات التي استدل بها ليست هذا معناها، فاضرع إلى الله، واسأله أن يهديك لما اختلفوا فيه من الحق، وتجرد ناظراً ومناظراً «. (13)

ويقول في موضع آخر:» وبالجملة فالذي أُنكره الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره، فإن كنت قلته من عندي فارم به، أو من كتاب لقيته ليس عليه عمل فارم به كذلك، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه لأجل أهل زمانه أو أهل بلده «. (14)

ويقول أيضاً:» إني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، وأقول لهم: الكتب عندكم، انظروا فيها، ولا تأخذ من كلامي شيئاً، لكن إذا عرفتم كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي في كتبكم فاتبعوه، ولو خالفه أكثر الناس «. (15)

ويقول:» وإن صعب عليك مخالفة الكبر، أو لم يقبل ذهنك هذا الكلام فأحضر بقلبك إن كتاب الله أحسن الكتب، وأعظمها بياناً وشفاء لداء الجهل، وأعظمها فرقاً بين الحق والباطل، والله سبحانه قد عرف تفرق عباده واختلافهم قبل أن يخلقهم، وقد ذكر في كتابه ((ومَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدًى ورَحْمَةً)) وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهها في ذهنك، واعرضها على قلبك فإنه إن شاء الله يؤمن بها على سبيل الإجمال «. (16)

أرأيت إلى هذا التجرد التام في تبليغ ما هو حق، وكمال النصح والإشفاق على المدعوين، وانظر إلى إهماله ذاته من أجل دين الله ونصرته، إضافة إلى سبره لأحوال النفوس وإدراك حقائقها وصفاتها.

4 - يلاحظ من خلال رسائله الشخصية أن الشيخ مهتم بما قد يراه نافعاً ومجدياً لمصلحة الدعوة فمن ذلك إثارة النخوة في نفس المخاطب، فهو يحاول إقناع مخاطبه بقوله:» إن لك عقلاً، وان لك عرضاً تشح به، وإن الظن فيك إن بان لك الحق أنك ما تبيعه بالزهايد " (17) ويستثير همم أهل شقراء ضد خصوم الدعوة بقوله:» والله العظيم إن النساء في بيوتهن يأنفن لكم، فضلاً عن صماصيم بني زيد «. (18)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير