لكن قال الحافظ ابن رجب – في (اللطائف 260) – عقب حكاية التصحيح عن هؤلاء الأئمة: " وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، وأبو زرعة، والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء أنكر منه، ورده بحديث " لا تقدموا رمضان بصوم يوم ... " ا. هـ.
وقد نقل أبو داود عقب إخراجه الحديث عن ابن مهدي أنه كان لا يحدث بهذا الحديث، وهذا ظاهر في إنكاره إذ لم يحدث به الإمام أحمد.
وأما إنكار أبي زرعة، فقد نقله البرذعي في سؤالاته (2/ 388)، ونقل أبو عوانة في (مستخرجه98) أن عفان بن مسلم كان يستنكره أيضاً.
ونقل أبو عوانة أيضاً – وذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح 4/ 153) – أن ابن معين قال عنه: منكر، وإنكار أحمد للحديث نقله عنه المروذي في سؤالاته (117 رقم 273)، وقال النسائي عقب إخراج الحديث في (الكبرى: 2/ 172): (لا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير العلاء بن عبد الرحمن " ا. هـ.
وقال الخليلي في (الإرشاد: 1/ 218) عن العلاء: "مديني، مختلف فيه؛ لأنه يتفرد بأحاديث لا يتابع عليها – ثم ذكر حديث الباب، ثم قال: - وقد أخرج مسلم في الصحيح المشاهير من حديثه دون هذا والشواذ " ا. هـ، وأشار البيهقي (4/ 209) إلى ضعفه.
وما ذكره الخليلي، فيه إشارة واضحة، أن مسلماً أعرض عن حديثه لما فيه من النكارة، مع أنه أخرج من هذه السلسلة: العلاء عن أبيه كثيراً، وقد أشار إلى هذا السخاوي، كما في (الأجوبة المرضية 1/ 37).
وما ذكره بعض الأئمة من تفرد العلاء به، لا يعكر عليه ما رواه الطبراني – كما سبق تخريجه- من طريق محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يعقوب؛ لأن هذه الطريق معلولة بثلاثة أمور:
الأول: أن فيها المنكدر بن محمد المنكدر، وقال عنه أبو حاتم: " كان رجلاً صالحاً لا يفهم الحديث، وكان كثير الخطأ، ولم يكن بالحافظ لحديث أبيه "، وقال عنه أبو زرعة: " ليس بقوي "، وقال ابن معين: "ليس بشيء" وقد وثقه أحمد في رواية أبي طالب " نقل ذلك كله ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 8/ 406).
الثاني: أن الطبراني قال عقب إخراج الحديث:" لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر، تفرد به ابنه عبد الله " ا. هـ، فهو مع ضعفه تفرد أيضاً.
الثالث: قال ابن عدي في (الكامل 6/ 455) عن هذه السلسلة (عبيد الله بن عبد الله المنكدري قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده).
"وهذه نسخة حدثناه ابن قديد، عن عبيد الله بن عبد الله بن المنكدر بن محمد، عن أبيه عن جده، عن الصحابة وعن غيرهم، وعامتها غير محفوظة ". ا.هـ.
وأما الطريق التي أخرجها ابن عدي من طريق إبراهيم بن أبي يحيى، فلا أثر لها؛ لأن إبراهيم هذا متروك الحديث، كما في الميزان 1/ 57، والتقريب (93)، والله أعلم.
وبعد: فإن اختلاف أهل العلم بالحديث في الحكم على هذا الحديث انسحب على المسألة فقهياً، فقد اختلف العلماء في حكم الصوم بعد منتصف شعبان.
فمن صح عنده هذا الحديث حكم بكراهة صوم السادس عشر من شعبان وما بعده، وبعضهم صرّح بالتحريم كابن حزم في (المحلى 7/ 25) إلا أنه خص النهي بصيام اليوم السادس عشر فقط – ومن ضعّف هذا الحديث لم يقل بالكراهة كما هو قول جمهور العلماء، محتجين بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ". أخرجه البخاري (2/ 34) باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين ح (1914)، ومسلم (2/ 762) ح (1082) – واللفظ له -، وأبو داود (2/ 750)، باب فيمن يصل شعبان برمضان ح (2335)، والترمذي (3/ 69)، باب ما جاء " لا تقدموا الشهر بصوم" ح (685)، والنسائي (4/ 149)، باب التقدم قبل شهر رمضان ح (2172، 2173)، وابن ماجة (1/ 528)، باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم ح (1650) من طرق عن يحي بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة – رضي الله عنه -.
وقد احتج بهذا الحديث الإمام أحمد على ضعف حديث النهي عن الصوم بعد النصف، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا "، والله أعلم.
¥