وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه، فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه. وأما اتخاذه من غير حاجة، أو إظهاره للناس، مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك، فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، الأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة " / مجموع الفتاوي (22/ 506).
وللسيوطي جزء تتبع فيه ما ورد في السبحة من الأحاديث والآثار، وسماه: " المنحة في السبحة "، أجاز فيه التسبيح بها، وفيه يقول: الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروها ".
انظر الحاوي للقتاوي (2/ 2).
وقال المناوي في فيض القدير (4/ 355) في شرح حديث يسيرة - رضي الله عنها -:
وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة، وكان ذلك معروفاً بين الصحابة ... إلى أن قال:
" ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها، نعم محل ندب اتخاذها فيمن يعدها للذكر، والمبالغة في إخفاء ذلك.
أما ما ألفه الغفلة البطلة من إمساك سبحة - يغلب على حباتها الزينة، وغلو الثمن، ويمسكها من غير حضور في ذلك، ولا فكر، ويتحدث ويسمع الأخبار، ويحكيها، وهو يحرك حباتها بيده، مع اشتغال قلبه، ولسانه بالأمور الدنيوية فهو مذموم مكروه من أقبح القبائح " اهـ
وقال محمد خطاب السبكي في شرح حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود في السنن في كتابه: " المنهل العذب المورود " (8/ 164):
" وفيه دلالة على جواز عد التسبيح بالنوى أو الحصى؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه المرأة عن ذلك، بل أرشدها إلى ما هو أيسر لها، وأفضل، ولو كان غير جائز ليبين لها ذلك.
ومثل النوى - فيما ذكر - السبحة إذ لا تزيد السبحة على ما في هذا الحديث إلا بنظم نحو النوى في خيط.
ومثل هذا لا يعد فارقاً ... ثم نقل عن علي العدوي أنه سئل عن السبحة؟ فأجاب بالجواز، وقال العدوي في جوابه:
" والحاصل: أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد، يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة، والعجب والرياء؛ لأن ذلك محبط للعمل ". اهـ
وقال ابن عابدين في حاشيته (1/ 650) في حكايته مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة:
" فرع: لا بأس باتخاذ السبحة لغير رياء، كما بسط في البحر " اهـ
وجاء في الموسوعة الفقهية (11/ 283, 284):
" أجاز الفقهاء التسبيح باليد والحصى، والمسابح خارج الصلاة، كَعَدِّهِ بقلبة أو بغمزه أناملَهُ " اهـ
قلت: الأصل في هذا ما جاء عن الصحابة من عد التسبيح بالحصى والنوى ومن ذلك قول أم المؤمنين صفية - رضي الله عنها -:
" دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها، فقلت: لقد سبحت بهذه؟ فقال:
" قولي سبحان الله عدد خلقه "
أخرجه الترمذي (5/ 555) رقم 3554، والطبراني في الكبير (24/ 75) رقم195)، وفي الدعاء (3/ 1585) رقم 1739، وأبو يعلى في مسنده (13/ 35) رقم 7118، وابن عدي في الكامل (7/ 2574) والحاكم في المستدرك (1/ 547)، والحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 79)
من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، حدثني كنانة مولى صفية، قال: سمعت صفية تقول: ...... الحديث.
قال الحاكم: هذا صحيح كما في الحاوي (2/ 2).
وقال الحافظ: هذا حديث حسن.
وجاء مثل ذلك بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
وكذلك جاء عن أبي سعيد وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه، وغيرهم.
وأما ما جاء عن أبي مسعود رضي الله عنه من النهي عن التسبيح بالحصى فقد ورد من سبع طرق، ولا يخلو طريق منها من علة قادحة، إلا أن مجموعها يدل على أن له أصلاً. وعلى فرض صحتها فإنها لا تدل على النهي عن عد التسبيح بالحصى ونحوه لوجوه:
الأول: أنه علل الإنكار بإحصاء الحسنات كما جاء في حديث ابن إسماعيل: " على الله تحصون "، وحديث أبي موسى: " فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء "، وقوله: " أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم ".
الثاني: أن الإنكار في بعض الروايات بدون ذكر العد بالحصى، كما جاء قي طريق عطاء بن السائب، وهو من أحسن الطرق.
¥