تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

باب الأفعال مثل ?اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ? [البقرة:15]، ?وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ?، وهنا ?وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ? [الأنفال:30]، ?اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ? جاء إضافة الأفعال هذه إلى الله جل وعلا، ما نقول نشتق منها صفة فيوصف الله بالمكر ويوصف الله بالاستهزاء وأشباه ذلك، هذا غلط؛ لأن باب الأفعال كما ذكرنا أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أضيق؛ لأن المكر منقسم ?وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ? جاء هنا إضافة ?يَمْكُرُ? إلى الله جل وعلا ?يَمْكُرُ اللَّهُ? لكن المكر صفة منقسمة إلى:

— المكر الذي هو بحق، وهو ما دلّ على كمال وقهر وجبروت وهو المكر بمن مكر به سبحانه، أو مكر بأوليائه، أو مكر بدينه، هذا مكر حق.

— وإلى مكر مذموم وهذا ما كان على غير وجه الحق.

فإذا كان كذلك، ما نقول أن من صفة الله الاستهزاء، كذلك الملل لا نقول من صفات الله الملل، وأشباه ذلك «إِنّ الله لاَ يَمَلّ حَتّى تَمَلّوا» أُطلق الفعل لكن لا نشتق منه الصفة؛ لأن الصفة منقسمة، وكذلك من الصفة إلى الاسم، وهذا فيه قواعد ذكرها ابن القيم رحمه الله في أول ”بدائع الفوائد“.

القول الثاني: وهو قول من أول الحديث وأخرجه عن ظاهره.

1 - قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: ((. قَوْله: (لَا يَمَلّ اللَّه حَتَّى تَمَلُّوا) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم فِي الْمَوْضِعَيْنِ , وَالْمَلَال اِسْتِثْقَال الشَّيْء وَنُفُور النَّفْس عَنْهُ بَعْد مَحَبَّته , وَهُوَ مُحَال عَلَى اللَّه تَعَالَى بِاتِّفَاقٍ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّمَا أُطْلِقَ هَذَا عَلَى جِهَة الْمُقَابَلَة اللَّفْظِيَّة مَجَازًا كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا) وَأَنْظَاره , قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَجْه مَجَازه أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ يَقْطَع ثَوَابه عَمَّنْ يَقْطَع الْعَمَل مَلَالًا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَلَالِ مِنْ بَاب تَسْمِيَة الشَّيْء بِاسْمِ سَبَبه. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَقْطَع عَنْكُمْ فَضْله حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَاله فَتَزْهَدُوا فِي الرَّغْبَة إِلَيْهِ. وَقَالَ غَيْره: مَعْنَاهُ لَا يَتَنَاهَى حَقّه عَلَيْكُمْ فِي الطَّاعَة حَتَّى يَتَنَاهَى جُهْدكُمْ , وَهَذَا كُلّه بِنَاء عَلَى أَنَّ " حَتَّى " عَلَى بَابهَا فِي اِنْتِهَاء الْغَايَة وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مِنْ الْمَفْهُوم. وَجَنَحَ بَعْضهمْ إِلَى تَأْوِيلهَا فَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَمَلّ اللَّه إِذَا مَلَلْتُمْ , وَهُوَ مُسْتَعْمَل فِي كَلَام الْعَرَب يَقُولُونَ: لَا أَفْعَل كَذَا حَتَّى يَبْيَضّ الْقَار أَوْ حَتَّى يَشِيب الْغُرَاب. وَمِنْهُ قَوْلهمْ فِي الْبَلِيغ: لَا يَنْقَطِع حَتَّى يَنْقَطِع خُصُومه ; لِأَنَّهُ لَوْ اِنْقَطَعَ حِين يَنْقَطِعُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ مَزِيَّة. وَهَذَا الْمِثَال أَشْبَه مِنْ الَّذِي قَبْله لِأَنَّ شَيْب الْغُرَاب لَيْسَ مُمْكِنًا عَادَة , بِخِلَافِ الْمَلَل مِنْ الْعَابِد. وَقَالَ الْمَازِرِيّ: قِيلَ إِنَّ حَتَّى هُنَا بِمَعْنَى الْوَاو , فَيَكُون التَّقْدِير لَا يَمَلّ وَتَمَلُّونَ , فَنَفَى عَنْهُ الْمَلَل وَأَثْبَتَهُ لَهُمْ. قَالَ: وَقِيلَ حَتَّى بِمَعْنَى حِين. وَالْأَوَّل أَلْيَق وَأَجْرَى عَلَى الْقَوَاعِد , وَأَنَّهُ مِنْ بَاب الْمُقَابَلَة اللَّفْظِيَّة. وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث عَائِشَة بِلَفْظِ " اِكْلَفُوا مِنْ الْعَمَل مَا تُطِيقُونَ , فَإِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ مِنْ الثَّوَاب حَتَّى تَمَلُّوا مِنْ الْعَمَل " لَكِنْ فِي سَنَده مُوسَى بْن عُبَيْدَة وَهُوَ ضَعِيف , وَقَالَ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه: هَذَا مِنْ أَلْفَاظ التَّعَارُف الَّتِي لَا يَتَهَيَّأ لِلْمُخَاطَبِ أَنْ يَعْرِف الْقَصْد مِمَّا يُخَاطَب بِهِ إِلَّا بِهَا , وَهَذَا رَأْيه فِي جَمِيع الْمُتَشَابِه))

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير