فأفق من نومتك قبل أن يطمس الله على قلبك حتى يوم سكرتك، واستعذ بالله من رحمة في غير محلها، فإنماهي سكرة خور تعود بالحسرة على خلها، واعلم بأنهم والله لاتأخذهم في مثلي ومثلك رأفة ولا رحمة، ولايغرنك صونهم للقطط والكلاب، وتحدثني حديث رفقهم بالقردة والخنازير، فإنما هي دماء تبكي شجو بعضها.
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (
وتذكر معي خبر المصطفي صلى الله عليه وسلم عند استعاذته بوجه الله تعالى، من أن يسلط على أمته عذابا من فوقها أو من تحت أرجلها، واعلم بأن تلك البلاد بلاد كافرة محادة لله ورسوله لم تأل جهدا بقضها وقضيضها في محاربته ومحاربة دينه وأوليائه، فسلط الله عليها أم العذاب، وجعلهم أثرا بعد عين، ففقئت حدقة من قطرت له عليهم عين، وصلبت نياط قلب رق لهم طرفة عين.
فنحن والله بما حل بديار الكفرة لفرحين، ونسأل الله أن يزيدهم من مثله حتى حين، ونحن ننتزع ذلك من منزع عظيم عن كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)
ألم تكن هذه دعوة نبوية من نبي كريم استجابها الله رب العالمين فأهلك عدوه، وجعل من يوم مهلكه شكر لنا حتى يوم يبعثون، أم أنك نسيت أنا نصوم يوم عاشورا شكرا لله بأن نجى الله فيه موسى ومن معه من المؤمنين، وأهلك فيه فرعون وأتباعه من الطغاة الملحدين.
ولو تصفحت كتاب ربك لرأيت هذه دعوة أكثر الأنبياء بعد أن يشتد جرم قومهم معهم، بأن يسلط الله عليهم عذابا من عنده يسومهم به سوم العذاب، وهذا نوح عليه السلام قد دعا بأن يستأصل الله شافة الكفار حتى لايدع على الأرض منهم ديار، فهل تظن بأن الحزن يعقب هذه الدعوات، أم أنه استشعار النصر من رب الأرض والسماوات.
فإن كنت يا أخي ستحجر علي أمر وسعه الله، وأردت مني مخالفة هدي رسول الله، فإني أحمل سمعك على سماع هذه الآيات الكريمات، لعل فيها مايشفي منك نجي البلابل
(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
فلن تمنعني عندها رعاك الله من هذه الضحكات، وهم يتقلبون في تلك الصرخات في عذاب الله ولعنته.
وأنا لا أقول لك بان الفرح في مثل هذا الحالة ركن من أركان الإسلام، لكنه أقرب مايكون إلى أمر فطري منبعه الدين والولاء والبراء، فإن فرح قلبك بما أصاب عدو الله فليكن، وإن كان مشغولا بالأسهم أو العقار وليس فيه متسع للفرح أو الحزن إلا بالدرهم والدينار فالأمر قريب، أما أن تأتي وتثرب علي في سرور قلبي وانشراح صدري فلا وألف لا، بل أخشى والله عليك البلاء.
وكي يطمئن قلبك بما أخبرتك به، وتعلم أن هذه الحال هي سبيل المؤمنين في كل وقت وحين، فإني أزيد سمعك من كلام الحق جل في علاه، حتى تعلم أني لك من الناصحين.
(ألم، غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)
لقد كان فرحا ببشارة صادقة بنصرة الروم وهم أهل كتاب على عدوهم من الفرس المجوس، فهذه جادة مطروقة من زمن بعيد بنص الكتاب العزيز، وهي الفرح بمصائب الظلمة من الكافرين، أو النصرة عليهم من طرف عباده المؤمنين.
فليفرح قلبك بهذا البلاء الذي أصابهم، فلعل فيه مايشغلهم عنا ولو لحين، أنسيت كم قمنا في بيوت الله داعين قانتين بأن يشغلهم الله في أنفسهم عن ديار المسلمين، وأن يخرب عليهم ديارهم كما خربوا ديار المؤمنين؟، هاهو رب العالمين قد أرسل عليهم أم العذاب، فلله الحمد والمنة بما استجاب، ونسأله المزيد من نصرة عباده المؤمنين فهو رب الأرباب.
ولتعلم بأنهم في صدمة شديدة من هول ما أصابهم، ولا يغرنك ما ترى من نعرة أخذت برؤوسهم على المسلمين في تلعفر، فإن في هذا فأل حسن ـ إن شاء الله ـ فما هو إلا أذان بأن تعفر وجوههم ويخرجوا أذلة صاغرين، فأنت ترى أكثر حركة شاتك المذبوحة عند ذبحها وطول ذمائها، فما هم إلا كتلك الشاة التي لم يبق لها من أمرها شيئا، فتراها عند خروج الروح تشتد وتتوالى منها حركة يديها ورجليها، وما ذاك إلا من ألم الموت ومفارقة الحياة الدنيا، فما حالهم إلا كهذه الشاة التي طال ذماؤها ... ، وكان حتفها من ظلفها ... , رفع الله قدر شاتنا عن مقارنتها بأعداء الله ورسوله وعباده المؤمنين، ونزع الله ما في صدورهم وأحشائهم وجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.
وليكن من هذا كله لك عبرة أيه المؤمن، وليس ثم كلام أبلغ وأعظم وأجل من كلام الله رب العالمين، أختم به كما بدأت وثنيت، حتى تستيقن الأمر وتستشعر النصر.
فلو آمنت كاترينا لهان الأمر وعظم العزاء وجل الخطب وانتفت البغضاء، لكنها جحدت وتجبرت واستكبرت فكانت كمن استه في الطين وأنفه في السماء، فلا وألف لاء ولا كرامة للسفهاء، ولا نامت أعين الجبناء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.
(ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)
.
¥