وبهذا يتضح لنا أن ما شرعه الإسلام من صلاة ودعاء وذكر لله عند انكساف الشمس والقمر لا يعني بالضرورة أن الكسوف نتيجة لغضب من الله تعالى، وأن الصلاة لرفع هذا الغضب وإن فهم ذلك من كلام بعض العلماء ممن فسر هذه الظاهرة الكونية، حسبما انتهى إليها علمه في زمنه، ولكن أفهام العلماء - وخصوصًا في مثل هذه الأمور - ليست حجة على الدين، فالدين إنما يؤخذ من كتاب الله، وما بينه من سنة نبيه، وما عدا ذلك فكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك.
وفي مقابل هؤلاء الذين قصر باعهم عن الإلمام بالعلوم الكونية والرياضية نجد إمامًا مثل حجة الإسلام الغزالي يخطيء هؤلاء القاصرين ويتكلم كلامًا في غاية الجودة والتحقيق، وذلك في كتابه " المنقذ من الضلال " حين عرض للفلاسفة وأنواع علومهم، ومنه العلوم الرياضية. (كانت العلوم الرياضية قديمًا شعبة من الفلسفة، وجزءًا لا يتجزأ من الدراسة الفلسفية، وكذلك الطبيعيات وغيرها ولم تستقل هذه العلوم وتأخذ طريقها المستقل إلا في العصور الحديثة وما يتولد عنها من آثار في الأنفس والأفكار).
ومما قاله:
" الآفة الثانية نشأت من صديق للإسلام جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم (يعني الفلاسفة). فأنكر جميع علومهم، وادعي جهلهم فيها. حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع، فلما قرع ذلك سمع من عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشك في برهانه، لكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حبًا، وللإسلام بغضًا!.
" ولقد عظمت جناية من ظن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينية.
وقوله عليه السلام: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة ". ليس في هذا إنكار علم الحساب المعرف بمسير الشمس والقمر واجتماعهما، أو مقابلتهما على وجه مخصوص.
أما قوله عليه السلام: " لكن الله إذا تجلى لشيء خضع له " فلا توجد هذه الزيادة في الصحاح أصلاً. (المنقذ من الضلال للغزالي - مع أبحاث في التصوف لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود ص 140، 141 " ط سابعة).
ولو جاز لنا الاستدلال بما فيه ضعف من الأحاديث، لذكرنا هنا الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن سمرة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولا لشيء تحدثونه، ولكن ذلكم من آيات الله ... " والحديث فيه راوٍ ضعيف كما قال البيهقي ولهذا لم يعتمد عليه.
على أن مثل هذا الحديث وإن كان ضعيفًا، يمثل التفكير السائد لدى المسلمين في العصور الأولى، ولهذا رووه وخرّجوه وسجلوه في روايتهم.
والمهم أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على أن الكسوف يحدث لغير السبب الطبيعي الذي أجرى الله سننه بوقوعه عنده.
والله أعلم.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1122528600682&pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar%2FFatwaA%2FFatwaAAskTheScholar
#######################################
من عنده مزيد مشاركة فليتفضل علينا بذلك
ـ[نصر]ــــــــ[01 - 10 - 05, 01:00 م]ـ
رقم الفتوى: 3694
عنوان الفتوى: تعليل خوف النبي صلى الله عليه وسلم عند حدوث الكسوف
تاريخ الفتوى: 16 صفر 1420
السؤال
كيف نوفق بين كون الكسوف والخسوف من آيات الله التي يخوف بها عباده، وأنها غضب من الله توجب علينا الفزع للصلاة والذكر والدعاء، وبين علمنا المسبق بها قبل حدوثها بوقت طويل، ولو كان ذلك حاصل على وقت النبي صلى الله عليه وسلم هل كان فزعه سيكون بهذه الدرجة فيخرج إلى المسجد بدون رداء حتى يلحقونه بردائه.
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
¥