فالشيخُ _ نفع الله به _ جَرَّادٌ للمطولاتِ والأمَّهاتِ من كتب التفاسير، و قد قرأ الظِّلال خمس مرات، قراءة تدَّبُّرٍ وإمعان، فحصَّل من النفائس والعلم والدرر الشيء الكثير.
ولربَّما قَرأََ قارئٌ ولم يَبْلغ عُشْر مِعشَار ما فُتِحَ للشيخ _ حفظه الله _ ولربما أكثر، والأفهام والعقول لا تتناهى، فقد يُفتح لعالم ما لايُفتح لغيره. وهذا معروف مشهور.
وإنَّما جاء نُصْح الشيخِ _ حفظه الله _ لأنَّه ممَّن سَبَر تفسير الظلال، وعرف مداخله ومفاتيح ذوقه، فَحُقَّ للشيخ أنْ يُعجب به ويثني عليه وينصح به لما انتفع به، فأحبَّ أن يدل على الخير والنفع الذي انتفعه لإخوانه: (والدال على الخير كفاعله) رواه مسلم.
سيّما وأنَّ الدراسات تنوعت فيه، ما بين مخرجٍ لأحاديثه، أو لنظراته الفقهية، أو البلاغية وفنونها، أو الإعجاز وغيره، وغيرها كثير، ولا يقول عاقلٌ أنَّ هذا كله عند ابن كثير!!
ولعلَّ أهل التلف المتأخرين _ أخَّرهم الله _ لمَّا شاهدوا روعة أسلوب وعلم وحذق الشهيد سيد رحمه الله، دفعهم حب الثناء عليهم بسرقة أقواله وغيرها الكثير مما سيكون في المستقبل من سلسلة الفضائح وهلم جراً جراً.
وما اظن أن كتاب: " رَدُّ الأقوال ..... " عنك ببعيد أيها الشيخ الحبيب.
ثم يا أيها الشيخ الكبير أليس هذا معروف ومشهور عند سابق علمائنا رحمهم الله، فهم قد يثنون على كتبٍ ومصنفاتٍ، ولربما خالفهم علماءُ أجِّلاَّء في قولهم ونصحهم، وكلٌّ يجود بما عنده وبما علم، ومن علم حجة على منْ لم يعلم.
ومن فُتِح له بابٌ في علمٍ أو فنٍّ أو في كتبٍ فحُقّ له أن يثني عليه خاصة وأنَّه قد استفاد منه خيراً كثيراً جداً وانتفع به ولو لم يُدْرَك ذلك، فالأفهام تتفاوت، والخير بيد الله، يهبه لمن يشاء ويمنعه ممن يشاء!
ثمَّ أرأيْتَ أيُّها الشيخ الكبير الكريم إذا عُرف عن عالمٍ أنَّه قد محَّص كتاباً من الكتبِ، واشتغل به دهراً، فلو أردنا أنْ نَعرف حقَّ هذا الكتاب، والتعريف به والنظر إلى ما يَمِيزُهُ عن غيره من الكتب في ذات الموضوع وأصل الفنِّ، أيحسن بنا أنْ نَكِلَ المهِمَّة إلى غيره؟! بالطبع لا؛ لأنَّ الأول هو الأجدر و
لا شك أنَّه سيبرز اعجابه بهذا الكتاب _ سيَّما وقد انتفع به خلق كثير _ ويبين بُعد مراميه، ويُحَرِّص تلامذته على اقتنائه والمطالعة فيه، وإن كان فيه بعض ما لا يوافق عليه.
وأي كتابٍ يسلم من ذلك أيها الشيخ الحبيب؟
وأظنُّ أنَّ هذا ما يُفعل في الموقع النافع (ثمرات المطابع)
فالأمرُ الذي رَمَى له شيخُنا _ أدام الله فضله _ لا يَعْدُ أنْ يكون من هذا القبيل.
ومن تأمَّل في ثناء شيخ الإسلام رحمه الله _ وغيره _ على بعض المصنفات في فتاويه يجدُ مثل هذا سيَّما في باب المقارنة، ولا أدلَّ على ذلك حين ذكر منزلة الحاكم بين الصحاح، ومنزلة أصحاب السنن مع غيرها، وهناك رسالة جمعت أراء شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في كتبه على بعض المؤلَّفات.
وأظن هذا فيه كفاية أيها الشخ الحبيب.
ثم قولك عفا الله عنك: (وأنا مسلم معاصر أغناني الله عن " الظلال " فكان ماذا؟):
فإن قصدتَ أيها الشيخ الكريم الحبيب أنك لا تحرص على مثل تفسير الظلال فهذا مردُّه لك، وإني أعجبُ منه ولا أوافقك عليه البتة!
ولكن أقول: فاتك خيرٌ كثير! وليتك تراجع النفس، (وإذا قلتم فاعدولوا) فلا أحبُّ لك إلا الخير.
والعاقل من يلتقط الدرر والياقوت والكنوز ولو من بين الحجار والحصى.
ثم:سؤالي: أقال الشيخُ _ حفظه الله _ يجب قراءتَهُ؟ أم قال غير ذلك؟
إنما قال _ نفع الله به _ لا يستغني عنه، والفرق بين الأمرين واضحٌ جداً.
وهذه وجهة نظر الشيخ، فلمَ التثريب؟ يا أبا طارق، طرق ربي قلبك الإيمان والعلم والعمل معاً.
وقطعاً وبلا أدنى ريبة أنَّ في تفسير الشهيد سيد رحمه الله من الكنوز والفوائد ما لا تجده في كتاب، فهو لم يأخذ كلَّ ابن كثير، إذ ابن كثير رحمه الله كان ينقل الكثير الكثير من كلام أهل العلم السابقين.
فهل يعني هذا أنَّنا إذا قرأنا كتاباً من هذه الكتب التي أخذ منها الشيخُ عماد الدين ابن كثير، فهل يعني هذا أنْ نستغني عن هذا التفسير العظيم؟ ونترك نفَس ابن كثير واجتهاداته وأرائه؟
لا أظن أحداً يقول به، فدونك ذا فتأمله أيها الشيخ الحبيب.
ثم انظر إلى تفسير الظلال، فهل كان سيد قطب رحمه الله جمَّاعاً فقط؟ أو كان يأخذ ما يراه جيداً وصالحاً للإستشهاد به ويترك ما يراه _ بحدِّ علمه _، وليس هذا فقط!
بل هو قد استفاد من الطبري، والقرطبي، والبغوي، وغيرهم، كثير ولكن نفَسَ سيد في تقريب الأمر وتوضيح المراد بأسلوبٍ عصري متميز فريد لاتجده عند غيره البتة. ومن طالع وعلم حجةً على من لم يعلم.
وفي الختام وقد أطلتُ عليك أيها الشيخ الحبيب:أقول هذا عالمٌ مفسرٌ كتب ذلك بعد قراءاتٍ ومطالعات، فأعطاك خلاصة رحلته مع هذا الكتاب القيم، فخذه أنت، واترك ما لاترْتضيه، فإنما لك غنمُهُ، وعليه غرمُهُ (إن كان) وقد أبى الله العصمة إلا لكتابه.
واعتذرُ مجدداً أنْ أدْلي بين يديك شيئاً انا أصغرُ من القول به، ولكن حبي لك ولأمثالك هو رسول كلمتي بين يديك.
(وقد أكون مخطئاً فلا أقبل التصويب إلا بحجة وبرهان [ابتسامة])
والان أقول: أيها الشيخ الكريم الحبيب: هل توافقني على هذا الرأي أو لا؟
والله أعلم
محبكم في الله
أبو العالية
عفا الله عنه
¥