وهؤلاء الذين ذكرناهم من الصحابة ممن روى عنهم ابن شقيق لا يمثلون بالطبع كل شيوخ ابن شقيق من الصحابة، ولا يعني ذكرنا لهم أنهم وحدهم الذين سمع منهم ابن شقيق، وإنما ذكرنا الذين وقف عليهم الإمام المزي، إضافة لثلاثة آخرين، وهو إنما يورد من يقف عليه فقط، بدليل أنه لم يذكر عمرو بن العاص وأبا الدرداء وعبد الله بن حوالة وهم من شيوخ ابن شقيق.
فكل من عرف كتب الرجال وشيئا من أحوالهم , يعلم أن مصنفا كالمزي إنما يكتب تراجمه على ضوء الروايات التي يقف عليها، و إلا فهو لم يعاصر روايات من ترجم لهم لأنها تراجم لأناس انقرضوا وبينه وبينهم قرون طويلة، وبالتالي فلا يمكن بحال أن يذكر لك كل شيء عن الراوي المترجَم , عن كم شيخ روى؟ ونحو ذلك على سبيل الحصر، و إنما يذكر بعضا منهم ممن وقف عليهم (18)
فشيوخ ابن شقيق من الصحابة أكثر مما جاء في كتاب المزي، ولا يمكن حصرهم تحديدا، وهذا لا يخفى على مشايخنا فلِمَ الإعراض عن هذا؟
وكيف يتكلم المشايخ جازمين بحد (19) معيّن عن مجموع روايته وحصيلة مروياته لشيوخه من الصحابة مع علمهم بأن هذا لا يتوقف على ما وجد من روايات.
بل كيف يحصل منهم الجزم والقطع بحد أقل من الموجود، مع أن الواقع يفرض وضع حساب لعدد أكثر من الموجود كما تقدم.
هذا والله لا يستقيم من هؤلاء المشايخ ولا يكاد يتصور منهم.
والمشكلة أن كلامهم واضح في أنهم أرادوا نفي الإدراك حقيقة بدليل ما عقبوا به من قولهم:
" فكيف ينسب لغيرهم ما لم يدركه منهم "
فإنكارهم على عبد الله بن شقيق في نسبته ذلك القول لغير أولئك النفر من الصحابة الذين أقر المشايخ بهم، أكبر برهان على أنهم أرادوا في عبارتهم نفي الإدراك لا السماع (20)
وأخيرا أذكر بأن ابن شقيق إضافة لروايته عن كبار الصحابة عمر وعثمان فهو قد جاور أبا هريرة سنة كاملة، وعدّه ابنُ سعد في الطبقة الأولى من طبقات تابعي البصرة.
وإذا تأملنا في حال أقرانه وقارنا , نجد أن ابن شقيق إنما يبلغ من أدركهم من الصحابة المئات بله العشرات.
فها هو القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة المتوفى سنة اثنتي عشرة ومائة، والذي تشهد القرائن بأنه أصغر من ابن شقيق (21)
جاء عنه أنه قال: " لقيت مائة من أصحاب رسول الله "
أما من المهاجرين والأنصار فقط فقد أدرك أربعين منهم، قال الإمام الجوزجانى:
" كان خيارا فاضلا أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار " انظر تهذيب الكمال (23/ 289)
وأكد هذا سليمان بن عبد الرحمن وكثير بن الحارث، إلا أن الأول قال: " من المهاجرين" والثاني قال: " أربعين بدريا "، فغير المهاجرين والأنصار أو غير البدريين أكثر بلا شك، والدليل قوله ذلك عن نفسه
فإذا كان هذا حال القاسم وهو لم يسمع من عمر ولا عثمان , بل قال بعضهم: " لم يسمع من أحد من الصحابة سوى أبي أمامة " وقيل غير ذلك، فإذا كان هذا حال القاسم وهو قد سمع من هؤلاء ومات بعد ابن شقيق، فكيف بابن شقيق الذي سمع من الكبار وجاور أكثرهم رواية، وهو أكبر سنا؟ فلاشك أنه أدرك أكثر.
بل ها هو الحسن البصري وهو أصغر من ابن شقيق سنا، وإنما ولد قبل وفاة عمر بسنتين، قد
أدرك من الصحابة أكثر من ثلاثمائة صحابي، فقد جاء عنه أنه قال:
" ولقد غزونا غزوة إلى خراسان ومعنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل منهم يصلي بنا " ا. هـ
بينما ابن شقيق قد أدرك عمر وروى عنه فهو أكبر من الحسن، بل عطاء بن أبي رباح والذي ولد في خلافة عثمان وكان أصغر من ابن شقيق بكثير، فد حدث عن نفسه أنه أدرك مائتين من أصحاب رسول الله، وذكر المزي له سماعا عن أكثر من عشرين صحابي، فكيف بابن شقيق؟.
أفيعقل أن يأتي مشايخنا بعد هذا ويقولوا إنه أدرك أقل من عشرة؟!
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
ولا يقال في حق مثل هذه المقارنات بأنها لا تفيد، بناء على أن الأقران يختلفون في السماع من الشيوخ كثرة وقلة بحسب نشاط الواحد منهم، فهذا لا يرِد هنا، لأن هذه المقارنات بين ابن شقيق وبعض معاصريه ممن هو أكبر منهم إنما أريد بها المقارنة في الإدراك، وهو أمر لا يتوقف على النشاط كما هو في السماع.
¥