تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ج/ ذكرنا لكم مرارا أن العلماء الذين نصوا على أن فهم الحجة ليس بشرط في صحة قيام الحجة بَنَوا على الدليل وهو قول الله جل وعلا " وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ " (132) فالله جل وعلا جعل على القلوب أكنة بأن لا يفهموه، فدلّ على أن الفهم والفقه -فقه الحجة- ليس بشرط؛ لأن إقامة الحجة في القرآن تلاوة القرآن عليهم وهم أهل اللّسان كاف في قيامها.

فصار إذن الحال مشتمل على أن إقامة الحجة شرط، ومعنى إقامة الحجة أن تكون الحجة من الكتاب أو من السنة أو من الدليل العقلي الذي دل عليه القرآن أو السنة، وأن فهم اللسان العربي فهم معنى الحجة بلسان من أقيمت عليه هذا لابد منه؛ لأن المقصود من إقامة الحجة أن يفهم معاني هذه الكلمات، أن يفهم معنى الحديث، أن يفهم معنى الآية.

وأما ما لا يشترط وهو فهم الحجة، فيراد به أن تكون هذه الحجة أرجح من الشبه التي عنده؛ لأن ضلال الضالين ليس كله عن عناد، وإنما بعضه ابتلاء من الله جل وعلا، وبعضه للإعراض، وبعضه لذنوب منهم ونحو ذلك.

لهذا فإن فهم الحجة على قسمين:

يراد بفهم الحجة فهم معاني الأدلة، هذا لابد منه، فلا يكتفي في إقامة الحجة على أعجمي لا يفهم اللغة العربية أن تتلى عليه آية باللغة العربية، وهو لا يفهم معناها، ويقال قد بلغه القرآن والله جل وعلا يقول " لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ " [الأنعام:19]، هذا ليس بكافٍ لابد أن تكون الحجة بلسان من أقيمت عليه ليفهم المعنى، قال سبحانه " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ " [إبراهيم:4].

المعنى الثاني لفهم الحجة أن يفهم كون هذه الحجة أرجح من شبهته التي عنده، المشركون -كما قررنا لكم في شرح كشف الشبهات- عندهم علم وعندهم كتب وعندهم حجج كما أخبر الله جل وعلا في كتابه، فهم حجة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهم القرآن، فهم حجة النبي عليه الصلاة والسلام العقلية التي أدلى بها عليهم بعد الوحي، هذه معناها أن يفهموا المعنى، إذا كانوا هم فهموا المعنى؛ لكن مثل ما يقول القائل ما اقتنع أن هذه الحجة أقوى من الشبهة التي عنده، فهذا ليس بشرط.

فإذن ما يُشترط من فهم الحجة والقسم الأول؛ وهو فهم المعنى فهم دلالة الآية باللغة العربية ونحو ذلك، أما فهم الحجة بمعنى كون هذه الحجة أرجح بالمقصود وأدلّ على بطلان عبادة غير الله أو على بطلان الباطل، هذا ليس بشرط المهم يفهم معناها ودلالتها، ثم بعد ذلك الله جل وعلا يُضل من يشاء ويهدي من يشاء. أهـ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير