أ- أن الكفر في مسألة تارك الصلاة لا يختص بالممتنع كما أوهمه نقل المشايخ ثم تنصيصهم عليه في آخر النقل، وإنما الكفر يشمل أيضا تارك الصلاة بالكلية كما هو صريح قوله: " فمن لم يصل ... , الخ " ويشمل أيضا من أخل بشيء من الشرائط والأركان التي لا يسوغ فيها الخلاف كما دل عليه باقي كلامه " وأما من أخل ... " الخ
وفيه قوله رحمه الله: " ... كما تقدم من حديث حذيفة "
ويعني ابن تيمية رحمه الله ما جاء في ص (76) من نفس الكتاب فقد استدل فيه بحديث حذيفة نفسه على كفر التارك وهذا يؤكد تكفيره لهذه الحالة.
ويؤكده أيضا قوله في المجموع:
" كما يقتل إذا قال أصلي بغير وضوء أو إلى غير القبلة، وكل فرض من فرائض الصلاة المجمع عليها إذا تركه عمدا فإنه يقتل بتركه, كما أنه يقتل بترك الصلاة " ا. هـ
ومراده بالفرائض الأركان والشروط بدليل ما مثل به قبلها
والإمام ابن قدامه مع مخالفته في أصل المسألة قد قرر بأنه ينبغي إعطاء هذه الصورة من الحكمِ حكمَ أصل المسألة، فقال في المغني (3/ 359):
" ومن ترك شرطا مجمعا على صحته، أو ركنا كالطهارة والركوع والسجود فهو كتركها حكمه حكمه , لأن الصلاة مع ذلك وجودها كعدمها " ا. هـ
هذا و ربما شمل كلامه الذي تركه المشايخ صورا أخرى تفهم من مجموع الكلام.
ب- أن اختصاص الممتنع بالكفر إنما هو بالنسبة لكفر الظاهر , وأما كفر الباطن فلا.
فكان على المشايخ أن يكملوا كلام شيخ الإسلام حتى يتبين للقارئ المعنى الصحيح لكلامه الذي
اقتصروا على نقله (3)
فأوهم اقتصارهم ذلك معنى مرادا عندهم , غير مراد لشيخ الإسلام وهذا لا ينبغي، فهم أوهموا أن شيخ الإسلام لا يكفر من تاركي الصلاة إلا الممتنع، ثم حملوا في تعليقهم الامتناع على صورة أخرى مغايرة للصورة التي أرادها شيخ الإسلام وسيأتي بيانها.
ومكمن الخطأ في هذا أنهم أجملوا وأبهموا عند استدلالهم بذلك الكلام، فلم يوضحوا أن هذا الكلام وارد في أحد نوعي الكفر فقط وهو كفر الظاهر، وإنما أوهموا بإجمالهم أنه لا كفر إلا في هذه الصورة، بينما كفر الباطن وهو أشد من كفر الظاهر ينزله شيخ الإسلام على صور أخرى من صور هذه المسالة (4) ولو أكملوا النقل لاتّضَحَ مراده رحمه الله , هذا هو مكمن الخطأ في تركهم باقي كلام الشيخ.
2 - أما تفسيرهم للامتناع بقيد إتْباع القتل فيوضحه التالي:
فأولا: من جهة المسألة ومراد شيخ الإسلام بالامتناع فيها ومراد بقية العلماء من الحنابلة أو غيرهم ممن يرون بذلك، فهم (أعني شيخ الإسلام ومن معه) علقوا الكفر الظاهر في شأن تارك الصلاة على أمرين:
الأول: (الدعاء) أي دعوة التارك إلى الصلاة.
الثاني: (الامتناع) وهو الإمساك والكف عن فعل الصلاة.
لا شيء غير هذا، ولم يأت في شيء من كلامهم عند هذه الجزئية (5) اشتراط القتل أو ذكر القتل على سبيل القيد في إثبات الحكم المترتب على الامتناع (6)
فمن أين أتى هؤلاء المشايخ بهذا القيد أو الشرط، فالحقيقة الاصطلاحية الاستعمالية للفظتي الدعاء والامتناع لا تدل على ذلك , ولا الحقيقة اللغوية، فمن أين أتى المشايخ بهذا.
أما من جهة مرادهم فقولهم: " الامتناع هنا لزوما هو الامتناع الذي يتبعه القتل " ظاهر في أنهم يمانعون من التفريق بين صورة الامتناع عند الدعاء فقط إلى الصلاة , وبين صورة الإصرار على الترك والامتناع حال التهديد بالقتل أو القيام بالقتل.
فهم يريدون توحيد الصورتين في صورة واحدة من حيث الحقيقة , (وذلك بفرض القتل في الصورتين) وبالتالي من حيث الحكم (7).
بدليل استلزامهم للقتل في عبارتهم السابقة ثم استدلالهم بعدها بكلام لشيخ الإسلام عن حكم من أصر على ترك الصلاة حتى يقتل.
إلا أن عبارتهم السابقة لا تخدم مرادهم، فقولهم:
" الامتناع الذي يتبعه القتل " يحمل موافقتهم على أن القتل متأخر عن حالة الامتناع
وهذا يفتح المجال لبحث حالة ما قبل القتل , وقبل اتخاذ أي خطوة من خطواته , من التهديد به , أو العرض على أداته وهي السيف، أو التنفيذ، قبل كل هذا.
حال حصول الامتناع منه , وبعد أمره بالصلاة , ما هو الحكم؟
¥