وإنما الغرض هنا أن الشرع لم يستحب من الذكر إلا ما كان كلامًا تامًا مفيدًا مثل: [لا إله إلا اللّه]، ومثل: [اللّه أكبر]، ومثل [سبحان اللّه والحمد للّه]، ومثل [لا حول ولا قوة إلا باللّه]، ومثل {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: 78]، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1]، {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 1] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1].
فأما (الاسم المفرد) مظهرًا مثل: [اللّه، اللّه] أو [مضمرًا] مثل: [هو، هو]. فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضًا عن أحد من سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين.
وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة، وذكر الكلمة التامة للعامة، وربما قال بعضهم: [لا إله إلا اللّه] للمؤمنين، و [اللّه] للعارفين، و [هو] للمحققين، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على [اللّه، اللّه، اللّه]. أو على [هو] أو [يا هو] أو [لا هو إلا هو].
وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك. واستدل عليه تارة بوجد، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب، كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقن عليّا بن أبي طالب أن يقول: [اللّه، اللّه، اللّه]. فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا. ثم أمر عليًا فقالها ثلاثا. وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه، ورأس الذكر: (لا إله إلا اللّه)، وهي الكلمة التي عرضها على عمه أبي طالب حين الموت. وقال: (ياعم، قل: لا إله إلا اللّه، كلمة أحاج لك بها عند اللّه)، وقال: (إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلا وجد روحه لها روحًا)، وقال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة)، وقال: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا اللّه دخل الجنة)، وقال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا رسول اللهّ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على اللّه) والأحاديث كثيرة في هذا المعنى.
وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين في معرض ذمه لأهل الحلول والإتحاد:
قال رحمه الله:حتى رتب على ذلك بعضهم أن الذكر بالاسم المفرد وهو ((الله، الله)) أفضل من الذكر بالجملة المركبة كقوله: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))، وهذا فاسد مبنى على فاسد. فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلاً، ولا مفيد شيئاً، ولا هو كلام أصلاً، ولا يدل على مدح ولا تعظيم، ولا يتعلق به إيمان، ولا ثواب ولا يدخل به الذاكر فى عقد الإسلام جملة.
فلو قال الكافر: ((الله، الله)) من أول عمره إلى آخره لم يصر بذلك مسلماً فضلاً عن أن يكون من جملة الذكر [أو يكون أفضل الأذكار وبالغ بعضهم فى ذلك حتى قال الذكر] بالاسم المضمر أفضل من الذكر [بالاسم الظاهر، يذكر بقوله [هو، هو أفضل من الذكر] بقولهم: ((الله، الله))، وكل هذا من أنواع الهوس والخيالات الباطلة المفضية بأهلها إلى أنواع من الضلالات، فهذا فساد هذا البناءِ الهائر، وأما فساد المبنى عليه فإنهم ظنوا أن قوله تعالى: {قُلِ اللهُ} * [الأنعام: 19]، أى قل هذا الاسم، فقل: الله الله، وهذا من عدم فهم القوم لكتاب الله، فإن اسم الله هنا جواب لقوله: {قُلِ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَه قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} * [الأنعام: 91]، إلى أن قال: {قُلِ اللهُ}، أى قل: الله أنزله: فإن السؤال معاد فى الجواب فيتضمنه فيحذف اختصاراً كما يقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقال: الله. أى الله خلقهما، فيحذف الفعل لدلالة السؤال عليه، فهذا معنى الآية الذى لا تحتمل غيره.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، في فتح الباري /2ـ941/: قال القرطبي:وأما ما ابتدعته الصوفية في ذلك فمن قبيل مالا نختلف في تحريمه لقد ظهرت في كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وأن ذلك يثمر سنيَّ الأحوال. قال الحافظ ابن حجر: وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ: سيء الأحوال. اهـ
قال الصنعاني: في رسالة تطهير الإعتقاد:
فإن قلت قد يتفق للأحياء أو للأموات اتصال جماعة بهم يفعلون خوارق من الأفعال يتسمون بالمجاذيب فما حكم مايأتون به من تلك الأمور فإنها مما جبلت القلوب إلى الإعتقاد بها؟
قلت: أما المتسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم ويقولونها بألسنتهم ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس اللعين ومن أعظم حُمر الكون الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس والتزيين , فإن إطلاق الجلالة منفرداً عن إخبار بقولهم ((الله الله)) ليس بكلام ولا توحيد , وإنما هو تلاعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي , ثم إخلاؤه عن معنى من المعاني , ولو أن رجلاً عظيماً صالحاً يسمى زيد وصار جماعة يقولون: زيد زيد , لعد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية , ولا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ.
ثم انظر هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها؟ أو الذي في الكتاب والسنة هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح وهذه أذكار رسول الله وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية من هذا الشهيق والنهيق والنعيق , الذي اعتاده من هو عن الله وعن هدي رسوله وسمته ودله في مكان سحيق.
¥