تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يزيد تأكيد هذا المعنى، أنه لو كان المراد الأول فقط هو المعنيّ فما مناسبة عطف "أن المعرفة فعل القلب" على قوله: " قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم بالله) " فإحداهما دليلها الآية والأخرى دليلها الحديث وسيأتي بيان ذلك؛ وكذلك ما مناسبة الحديث للباب.

مر معنا كلام ابن رجب رحمه الله في الرد على الجهمية في مسألة قول القلب وعمله، والآن بعون من الله نلتمس وجه الرد عليهم في مسألة قول اللسان وعمل الجوارح.

فأقول وبالله التوفيق: أما قول اللسان فدلت عليه الآية، حيث إن الله تعالى جعل المؤاخذة في الحلف – وهو قول باللسان - متعلقاً بكسب القلب وجوداً و عدماً، فلما أراد القلب عقد اليمين وعزم على ذلك أمر اللسان فتكلم به فأظهر ما في القلب. فكذلك إذا وجد الإيمان في القلب فلابد أن يأمر اللسان فيظهره، وهذه هي قاعدة أهل السنة والجماعة في التلازم بين الباطن والظاهر.

وأما عمل الجوارح فدل عليه حديث الباب، ووجهه ما أشار إليه ابن رجب رحمه الله بقوله في الفتح: "فكونه أتقاهم لله يتضمن شدة اجتهاده في خصال التقوى وهو العمل". وهذا أيضاً على قاعدة أهل السنة والجماعة في التلازم بين الباطن والظاهر.

تنبيه: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح تحت هذا الباب ما نصه: "فظهرت المناسبة بين الآية والحديث، وظهر وجه دخولهما في مباحث الإيمان، فإن فيه دليلاً على بطلان قول الكرامية: إن الإيمان قول فقط".

فقوله: " فإن فيه دليلاً على بطلان قول الكرامية" يشعر أن البخاري أراد بهذا الباب الرد على الكرامية؛ لأنه علل ذلك بقوله "فإن". وهذا المراد فيه نظر، ذلك أنه جاء في ترجمة البخاري كما في مقدمة فتح الباري أن أبا جعفر محمود بن عمرو العقيلي قال: "لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلى بن المديني وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة الا في أربعة أحاديث قال العقيلي والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة".

فعلم من هذا النص أن البخاري رحمه الله ألف الصحيح في حياة الإمام أحمد رحمه الله، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب الإيمان ما نصه: "ولم يكن ابن كرام في زمن أحمد بن حنبل، وغيره من الأئمة؛ فلهذا يحكون إجماع الناس على خلاف هذا القول، كما ذكر ذلك أبو عبد الله أحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهما ". والله أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير