تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلنا: يا شيخ عبد الله! وما علاقة ضياء الحق بالموضوع؟ لماذا اختاره الشيخ ووجه له الرسالة؟! قال: سألت الشيخ – يعني ابن باز - فقال: له به علاقة صداقة قديمة! لعلّ الله ينفع به .. لعلّ الله ينفع به ..

ثم سألنا الشيخ جميعاً بصوت متقارب: هل كان لهذه الشفاعة أثر؟ قال الشيخ: نعم لم نلبث حتى سمعنا خبر إطلاق سراح نجم الدين أربكان، وما إن خرج حتى بدأ في تأسيس حزبه الإسلامي باسم جديد.

قلت: وأمَّا ما لم يذكره شيخنا عبد الله ابن قعود - رحمه الله - لنا أثناء سرده لهذه القصّة، فهو: لماذا اختار شيخنا ابن باز شيخَنا ابن قعود لهذه المهمّة؟ بل لماذا كان يختاره ممثلاً عنه في عدد من المهام الدقيقة، والاستجابة للدعوات الخارجية الموجهة إليه من عدد من المؤتمرات الإسلامية! بل لماذا أرسله لمناقشة مدعي النبوة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي قصة أخرى عجيبة!

ولعلَّ مما يمكن اندراجه في الجواب: أنَّ شيخنا ابن قعود – رحمه الله ورفع درجته وأجزل الله مثوبته – سلفي حقيقة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، علم، وفهم، ومرونة شرعية على نهج المرسلين، ذلَّة على المؤمنين وعزّة على الكافرين ..

لقد كان له عناية بالحركة الإسلامية في تركيا، ذكر بعضها في محاضرة ألقاها في جامعة الملك سعود في حشد كبير من الأساتذة والطلاب والمهتمين تحت عنوان: (الدعوات الإصلاحية وأثرها في المجتمع)، وله رحلات أجنبية عديدة حضر خلالها مؤتمرات دولية ولقاءات عامّة، ووقف فيها على كثير من المواقف التي تتطلب مرونة شرعية يتقنها أيَّما إتقان، مع ما وهبه الله عز وجل من خلق و معرفة بذوقيات التعامل الخارجي ورسمياته. حتى في طريقة أداء العبادة في بعض الأحوال: ومن ذلك أنَّه كان بصحبة أحد المبتعثين في الولايات المتحدة الأمريكية، فحان وقت صلاة العصر، وكانوا في أحد المطارات الأمريكية الدولية، فسارّه الطالب المبتعث: يا شيخ حان وقت الصلاة، وأريد أن أرفع صوتي بالأذان؟ فردًَّ الشيخ: لا .. ثم بدأ الشيخ مباشرة يؤذن بصوت عادي - كأنما يحدثني - ونحن نسير، نحو الصالة الأخرى لنطير منها إلى المطار المحلي، ثم قال لي: لا ضرورة لرفع الصوت .. الحمد لله الدين يسر .. هذا قد يضرّ، ونحن اثنان .. أو كلاماً نحو هذا ..

أتذكر هذه القصّة، ونحوها من قصص علمائنا الذين نشأوا في طاعة الله بالعبادة وطلب العلم، و ابيضّت لحاهم في ذلك غير محرِّفين ولا منْحرفين ولا مغَيِّرين .. وأتذاكرها أحياناً مع الزملاء الذين أشرت إليهم، فلا ينتهي عجبُنا من الشيخ، ومعرفته بدقائق من الواقع العالمي، لا يعرفها كثيرون من أصحاب الشأن، وقد سألت عددا من الأكاديميين العسكريين عن علاقة ضياء الحق بكنعان إيفرين من الناحية التاريخية، فقال لي بعضهم: كان الضبّاط الباكستانيون يَتَخَرَّجون في الكليات العسكرية التركية! .. وهل في هذا جواب يُفسِّر الواقعة، أو أنَّ جوابها في غيره؟! الله أعلم ..

كما لا ينتهي عجبُنا من نابتة لا تعرف قدر علمائنا الكبار، وتظنّ أنَّهم لا يدركون من أمر الواقع إلا دون ما هم يدركون ..

ولا ينتهي عجبنا كذلك من فئة تظنّ أنَّ علماء الأمة لا حقَّ لهم في الاهتمام بأمر المسلمين، فما شأن أهل الآخرة بأهل الدنيا، وكأنَّ علماءنا لم يبطلوا العلمانية من جذورها، ويُفنَّدوا مقالات دعاتها من أساسها ..

ثم عجبنا ممن يزعمون الثقافة ويتزعمونها – رغماً عنها – ثم هم يحاولون التنقّص من كبار العلماء مباشرة أو من خلال النيل من المؤسسات الشرعية التي ولَّاهم عليها ولاة أمرنا - وفقهم الله لما يرضيه – وكأنَّهم أوصياء حتى على الشريعة التي لم يتخصصوا فيها! فتجدهم ينقدون الفتاوى، ويسيؤون فهم النصوص، بل إنَّهم لا يحسنون قراءة بيانات أهل العلم في الأمور العامة التي يرون وجوب بيانها للنّاس، نصحاً للأمَّة، وحذراً من كتم العلم، ودرءاً لما يُتَوَقَّع من الفتن.

وترد على خاطري خواطر من المشهد الإعلامي - الذي يفتقد الشرعية النظامية بمخالفة كثير من مواد السياسة الإعلامية - حول هذا المعنى، منها:

هل هذا التحصيل العلمي، والفقه الشرعي، والوعي الدعوي، ووقار المشيخة، وتجربة السنين، هل هذا كلّه هو الألم الذي يستنطق الأعداء بالخوف والتخوف والتنادي لحصار الخير الذي بلغ الآفاق؟ وهل جيل الصحوة الذي ينقاد للعلماء - امتثالاً لأمر الله عز وجل - أشدّ رهبة في صدورهم من الله؟ وهل هؤلاء قوم يفقهون! لنجد أي سندٍ لما يتقوّلون؟ .. وأنا في خضم هذه الأفكار .. أتذكر بعض آي الكتاب، فأجدني أردَّد قول الله عز وجل: {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} الحشر13.

كتبه تلميذه / سعد بن مطر العتيبي

8/ 9/1426

الرياض


[1] ولعلّ في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ما يكشف بعضَه، ومما يحال إليه لمن شاء شيئاً من ذلك الكتاب الموسوم بـ: (مجموع رسائل ومقالات الشيخ عبد الله بن حسن آل قعود، عناية الشيخ: عبد الله بن سليمان بن عبد الله آل مهنا).
http://www.saaid.net/Warathah/1/abnkoaod1.htm
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير