تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - أما استدلالكم بالنصوص القطعية المحرمة للموالاة والتحاكم لغير الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فمسلَّم ولا نزاع فيه بين أهل الإسلام، وكلامنا في تجنس لا يلزم منه حبُّهم ولا نُصرتهم ولا رضا القلب بمنكراتهم أو مشاركتهم فيها. والمتجنِّس مأمور بأن يكون ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن يُظهر دينه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يتحاكم لشريعة الله، ويمكن أن يوصي بذلك في ميراثه إذا مات، على أن أكثر الدول الإسلامية لا تحكِّم شريعة الله، وفيها من الربا والظلم ما لا يخفى، فما الفرق؟

ورد هذا الجواب:

أن مجرد التجنس هو إعلان من المرء عن خضوعه لأحكام الكفر وقبوله الولاء للكفر وأهله، سواء خضع بالفعل أو لم يخضع.

ثم إنه لن يَسلَم من الوقوع في الحرام أو المشاركة فيه لأن صبغة المجتمع هكذا، بخلاف دول المسلمين؛ فيمكن للمرء أن يجد مندوحة وأن يتعامل بمعاملات شرعية مع إخوانه المسلمين؛ إذ لا تجبره قوانين بلاده على الربا في الغالب، وسيجد من يعينه على ذلك.

2 - وأما قولكم: إن التجنس يؤدي إلى إنكار ما عُلِم من الدين بالضرورة وهو كفر؛ فلا يلزم من التجنس هذا اللازم؛ بل لو تلبس المتجنِّس ببعض المحرمات فلا يلزم منه استحلالها بقلبه، وأهل السُّنة مجمعون على عدم تكفير المسلم بذنب ما لم يستحله.

ورُدَّ:

بأن النصوص اعتبَرت من رضي بالتحاكم إلى قوانين الكفر كافراً؛ لأنه لا يعقل أن يتحاكم إليها طوعاً مع اعتقاده أحكام الإسلام؛ بل هو عين التناقض. قال - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا} [النساء: 06].

3 - وأما قولكم: إن التجنس يؤثِّر على الذرية فمحتمل، والاحتمال يسقط الاستدلال، ونحن نرى كثيراً من أبناء الجاليات المسلمة متمسكاً بدينه وقيمه خاصة في ظل التربية الإسلامية.

ورُدَّ:

بأن هذه مكابرة وتعسُّف، والذي اعتبروه احتمالاً هو الواقع إلا في قليل من الناس؛ فأغلب الأسر المسلمة تشكو انحلال الأخلاق والتفلت من الدين؛ بل منهم من يرتد أولاده أو تأخذهم أمهاتهم قسراً بحكم قوانين تلك البلاد وينسبونه إلى الكفر، ولا يستطيع الوالد أن يحرِّك ساكناً، وكذا لا يستطيع أن يربي أولاده أو يأطرهم على الحق لو أبوا عليه، حتى لو وصل الأمر إلى الزنا وشرب الخمر - عياذاً بالله - فليس لولي البنت أو الابن أن يمنع ذلك، فضلاً عن أن يعاقب عليه؛ بل لو فعل لعُوقب وأُجبر على تأمين مكان مستقل لبناته وأبنائه للزنا والفجور عياذاً بالله؛ فهل هناك أعظم من هذا فساداً وانحلالاً؟

4 - وأما محذور المشاركة في جيوش الدول الكافرة؛ فأجيبَ عنه بأن الخدمة في جيوش كثير من تلك الدول اختيارية، ولو فرض أن المسلم أُكره على ذلك؛ فهو مأمور بأن يفر أو يمتنع ولو زهقت روحه.

ورُدَّ:

بأنه كان في مندوحة عن هذا البلاء؛ فلماذا يرمي نفسه في غماره، ولماذا يذلّ نفسه؟ وتقدم قوله - تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 79]، فلم يعذر هؤلاء الذين بقوا في مكة مستضعَفين وأُكرِهوا على مقاتلة إخوانهم المسلمين يوم بدر؛ فكيف بمن قبِل بمحض إرادته الانضواء تحت لواء أعداء الله؟

5 - وأما قولكم بتحريم المقام في بلاد الكفر؛ فليس على إطلاقه، بل تجري عليه الأحكام الخمسة بحسب الحال كما سبق.

ورُدَّ:

بأن المتجنس داخلٌ تحت سلطة الكفار وسيُضطهد في دينه لا محالة، ولن يتمكن من إظهاره، وقد ذكرنا بعضاً من الصور الواضحة في هذا، فالمقام حينئذٍ محرَّم إجماعاً.

الفرع الثاني: مناقشة أدلة الفريق الثاني:

ناقش المحرِّمون أدلة المجوِّزين كما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير