تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والقول بأن الشمس والقمر في فلك بين السماء والأرض لا ينافي ما ذكر الله من كونهما في السماء، فإن السماء يطلق تارة على كل ما علا قال ابن قتيبة: كل ما علاك فهو سماء فيكون معنى كونهما في السماء أي في العلو أو على تقدير مضاف أي في جهة السماء.

وقد جاءت كلمة السماء في القرآن مرادًا بها العلو كما في قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا}. يعني المطر، والمطر ينزل من السحاب المسخر بين السماء والأرض.

وإذا ثبت ما ذكروا عن سطحية القمر فإن ذلك يزيدنا معرفة في آيات الله العظيمة حيث كان هذا الجرم العظيم وما هو أكبر منه وأعظم يجري بين السماء والأرض إلى الأجل الذي عينه الله تعالى لا يتغير ولا يتقدم ولا يتأخر عن السير الذي قدره له العزيز العليم، ومع ذلك فتارة يضيء كله فيكون بدرًا، وتارة يضيء بعضه فيكون قمرًا أو هلالًا ذلك تقدير العزيز العليم.

وأما ما اشتهر من كون القمر في السماء الدنيا، وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة، والشمس في الرابعة، والمريخ في الخامسة، والمشتري في السادسة، وزحل في السابعة فإن هذا مما تلقي عن علماء الفلك والهيئة وليس فيه حديث صحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك أن ابن كثير رحمه الله مع سعة اطلاعه لما تكلم على أن الشمس في الفلك الرابع قال: وليس في الشرع ما ينفيه بل في الحس وهو الكسوفات ما يدل عليه ويقتضيه. ا. هـ

فقوله: (وليس في الشرع ما ينفيه). واستدلاله على ثبوته بالحس دليل على أنه ليس في الشرع ما يثبته أي ما يثبت أن الشمس في الفلك الرابع والله أعلم.

2 - وأما كون القرآن لا يدل على وصول السفن الفضائية إلى القمر فلأن الذين ظنوا ذلك استدلوا بقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ}. وفسروا السلطان بالعلم.

وهذا الاستدلال مردود من وجوه:

الأول: أن سياق الآية يدل على أن هذا التحدي يكون يوم القيامة ويظهر ذلك جليًا لمن قرأ هذه السورة من أولها فإن الله ذكر فيها ابتداء خلق الإنسان والجان، وما سخر للعباد في آفاق السموات والأرض، ثم ذكر فناء من عليها ثم قال: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ}. وهذا الحساب ثم تحدى الجن بأنه لا مفر لهم ولا مهرب من أقطار السموات والأرض فيستطيعون الهروب ولا قدرة لهم على التناصر فينصروا وينجوا من المرهوب، ثم أعقب ذلك بذكر الجزاء لأهل الشر بما يستحقون، ولأهل الخير بما يؤملون ويرجون.

ولا شك أن السياق يبين المعنى ويعينه فرب كلمة أو جملة صالحة لمعنى في موضع ولا تصلح له في موضع آخر، وأنت ترى أحيانًا كلمة واحدة لها معنيان متضادان يتعين المراد منهما بواسطة السياق كما هو معروف في كلمات الأضداد في اللغة.

فلو قدر أن الآية الكريمة تصلح أن تكون في سياق ما خبرًا لما سيكون في الدنيا فإنها في هذا الموضع لا تصلح له بل تتعين أن تكون للتهديد والتعجيز يوم القيامة وذلك لما سبقها ولحقها من السياق.

الثاني: أن جميع المفسرين ذكروا أنها للتهديد والتعجيز وجمهورهم على أن ذلك يوم القيامة وقد تكلم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي على هذه الآية في سورة الحجر عند قوله ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ}. ووصف من زعم أنها تشير إلى الوصول إلى السماء وصفه بأنه لا علم عنده بكتاب الله.

الثالث: أنه لو كان معناها الخبر عما سيحدث لكان معناها يا معشر الجن والإنس إنكم لن تنفذوا من أقطار السموات والأرض إلا بعلم وهذا تحصيل حاصل فإن كل شيء لا يمكن إدراكه إلا بعلم أسباب إدراكه والقدرة على ذلك، ثم إن هذا المعنى يسلب الآية روعتها في معناها وفي مكانها فإن الآية سبقها الإنذار البليغ بقوله ـتعالىـ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ}. وتلاها الوعيد الشديد في قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ}.

الرابع: أن دلالة الآية على التحدي ظاهرة جدًا.

أولًا: لما سبقها ويتلوها من الآيات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير