[الفكر السياسي عند امام الحرمين-ج1 - بحث لنيل الاجازة جامعة محمد5 الرباط المغرب]
ـ[ابو عبد الله الرباطي]ــــــــ[01 - 11 - 05, 08:06 م]ـ
مقدمة الباحث
a] إن الحمد لله، نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا و أنتم مسلمون " " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به
و الأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا " " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما ".
أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، و شر الأمور محدثاتها،
و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.
و بعد:
فإن العلاقة بين الراعي و الرعية من أعقد العلاقات و أدقها حساسية في سائر المجتمعات القديمة منها و الحديثة، لما في اختلال هذه العلاقة من نتائج سلبية على مختلف مناحي الحياة اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و معرفيا، و هذه النتائج تشكل بدورها سببا في تدهور الحياة اليومية في المجتمع مما سيؤدي حتما إلى توالي الهزائم المادية و المعنوية جراء الوهن و الضعف الذي يتخلل المجتمع.
و نظرا لما يحمله هذا الموضوع من حساسية بالغة فقد أثار جدلا معرفيا كبيرا بين العديد من الباحثين و المفكرين الإسلاميين و الغربيين على حد سواء لهذا نجد أن الكثير من فقهاء الأمة و حملة الشريعة و حفاظ الوحي، قد خاضوا غمار هذا الموضوع الشائك، نافين عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين، فألفوا في السياسة الشرعية سواء في مصنفات مستقلة أو على شكل أبواب مختلفة و متفرقة سواء في كتب العقيدة أو مصنفات الفقه و أصوله أو مؤلفات علم الكلام، مما أغنى الساحة المعرفية الإسلامية بحمولة هائلة من الأحكام الخاصة بالحاكم
و المحكوم، و ما لكل واحد من حقوق وواجبات نحو الآخر.
و قد اجتهد في ذلك كثير من أئمة المسلمين و بذلوا أقصى جهودهم المالية و البدنية و العقلية من أجل استخراج الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية المتمثلة في الكتاب و السنة، لتكفل بذلك مصالح المسلمين و تدرأ المفاسد عنهم، و ما ذلك إلا لكون العلماء ورثة الأنبياء، فإذا كانت المهمة العظمى لأنبياء الله تعالى ورسله - بعد بيان توحيد الله عز وجل و ما يتعلق بذلك من اقتضاء و لوازم و أمور وموانع – هي سياسة الناس بما يصلح أمور دينهم و دنياهم كما يوضحه و يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم حكاية على بني إسرائيل: " كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم "، فإذا كانت سياسة الخلق هي من مهام الأنبياء العظيمة، فإن ورثتهم من العلماء و أئمة الدين سيرثون عنهم هذه المهمة الصعبة، ليقودوا الأمم نحو الرفعة و العزة في الدنيا و الآخرة.
و قد كان من نعمة الله على هذه الأمة أن بعث فيها محمدا صلى الله عليه و سلم نبيا و رسولا و قائدا، ومبشرا و نذيرا، فشرع لها الشرائع و قعد القواعد و أصل الأصول و بين السنن و الواجبات، ورفع الحرج عن هذه الأمة، فتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك: كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و سيرة الصحابة الكرام البررة الراشدين، ثم اقتضت حكمة الله عز وجل أن يبعث لهذه الأمة على فترة من الرسل من يجدد لها أمر دينها من العلماء الربانيين الذين حملوا لواء السنة و قمعوا أعلام البدع و المحدثات على ما استلزمته حكمة الشارع الحكيم من شمولية هذه الشريعة و صلاحيتها لكل زمان ومكان.
¥