تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المطلق والزهد المطلق مثل جنس التأله والعبادة والتسبيح والخشوع والنسك المطبق بحيث لا يمنع القدر المشترك أن يكون لأي معبود كان وبأي عبادة كانت فإن هذا الجنس متفق عليه بين الآدميين ما منهم إلا من يمدح جنس التأله مع كون بعضه فيه ما يكون صالحا حقا وبعضه فيه ما يكون فاسدا باطلا. وكذلك الورع المشترك مثل الكف عن قتل النفس مطلقا وعن الزنا مطلقا وعن ظلم الخلق. وكذلك الزهد المشترك مثل الإمساك عن فضول الطعام واللباس وهذا القسم إنما عبر أهل العقل باعتقاد حسنه ووجوبه، لأن مصلحة دنياهم لا تتم إلا به وكذلك مصلحة دينهم سواء كان دينا صالحا أو فاسدا. ثم هذه الطاعات والعبادات العقلية قسمان: أحدهما: ما هو نوع واحد لا يختلف أصلا كالعلم والصدق وهما تابعان للحق الموجود ومنها ما هو جنس تختلف أنواعه كالعدل وأداء الأمانة والصلاة والصيام والنسك والزهد والورع ونحو ذلك فإنه قد يكون العدل في ملة وسياسة خلاف العدل عند آخرين كقسمة المواريث مثلا وهذه الأمور تابعة للحق المقصود. لكن قد يقال: الناس وإن اتفقوا على أن العلم يجب أن يكون مطابقا للمعلوم وأن الخبر مطابق للمخبر، لكن هم مختلفون في المطابقة اختلافا كثيرا جدا فإن منهم من يعد مطابقا علما وصدقا ما يعده الآخر مخالفا: جهلا وكذبا، لا سيما في الأمور الإلهية فكذلك العدل هم متفقون على أنه يجب فيه التسوية بين المتماثلين، لكن يختلفون في الاستواء والموافقة والتماثل فكل واحد من العلم والصدق والعدل لا بد فيه من موافقة ومماثلة واعتبار ومقايسة. لكن يختلفون في ذلك فيقال: هذا صحيح، لكن الموافقة العلمية والصدقية هي بحسب وجود الشيء في نفسه وهو الحق الموجود فلا يقف على أمر وإرادة وأما الموافقة العدلية فبحسب ما يجب قصده وفعله وهذا يقف على القصد والأمر الذي قد يتنوع بحسب الأحوال. ولهذا لم تختلف الشرائع في جنس العلم والصدق كما اختلفت في جنس العدل وأما جنس العبادات كالصلاة والصيام والنسك والورع عن السيئات وما يتبع ذلك من زهد ونحو ذلك فهذا مختلف اختلافا كثيرا، وإن كان يجمع جنس الصلاة التأله بالقلب والتعبد للمعبود ويجمع جنس الصوم الإمساك عن الشهوات من الطعام والشراب والنكاح على اختلاف أنواع ذلك وكذلك أنواع النسك بحسب الأمكنة التي تقصد وما يفعل فيها وفي طريقها، لكن تجتمع هذه الأنواع في جنس العبادة وهو تأله القلب بالمحبة والتعظيم وجنس الزهادة وهو الإعراض عن الشهوات البدنية وزينة الحياة الدنيا وهما جنس نوعي الصلاة والصيام. القسم الثاني: الطاعات الملية من العبادات وسائر المأمور به والتحريمات مثل عبادة الله وحده لا شريك له بالإخلاص والتوكل والدعاء والخوف والرجاء وما يقترن بذلك من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت. وتحريم الشرك به وعبادة ما سواه وتحريم الإيمان بالجبت وهو السحر والطاغوت وهو الأوثان ونحو ذلك. وهذا القسم: هو الذي حضت عليه الرسل ووكدت أمره وهو أكبر المقاصد بالدعوة فإن القسم الأول: يظهر أمره ومنفعته بظاهر العقل وكأنه في الأعمال مثل العلوم البديهية. والقسم الثالث: تكملة وتتميم لهذا القسم الثاني. فإن الأول كالمقدمات والثالث كالمعقبات وأما الثاني: فهو المقصود بخلق الناس كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وذلك لأن التعبد المطلق والتأله المطلق يدخل فيه الإشراك بجميع أنواعه كما عليه المشركون من سائر الأمم وكان التأله المطلق هو دين الصابئة ودين التتار ونحوهم مثل الترك فإنهم كانوا يعبدون الله وحده تارة ويبنون له هيكلا يسمونه هيكل العلة الأولى ويعبدون ما سواه تارة من الكواكب السبعة والثوابت وغيرها بخلاف المشركة المحضة فإنهم لا يعبدون الله وحده قط فلا يعبدونه إلا بالإشراك بغيره من شركائهم وشفعائهم. والصابئون: منهم [من] يعبده مخلصا له الدين ومنهم من يشرك به والحنفاء كلهم يخلص له الدين، فلهذا صار الصابئون فيهم من يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا، بخلاف المشركين والمجوس ولهذا كان رأس دين الإسلام الذي بعث به خاتم المرسلين كلمتين: شهادة أن لا إله إلا الله تثبت التأله الحق الخالص وتنفي ما سواه من تأله المشركين أو تأله مطلق قد يدخل فيه تأله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير