تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أهواءهم، كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].

/فأولئك المستكبرون المتبعون أهواءهم مصروفون عن آيات الله لا يعلمون ولا يفهمون، لما تركوا العمل بما علموه استكبارًا واتباعًا لأهوائهم عوقبوا بأن منعوا الفهم والعلم، فإن العلم حرب للمتعالي، كما أن السيل حرب للمكان العالي، والذين يرهبون ربهم عملوا بما علموه، فأتاهم الله علمًا ورحمة؛ إذ من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم؛ ولهذا لما وصف الله النصارى: {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} والرهبان: من الرهبنة {وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} كانوا بذلك أقرب مودة إلى الذين آمنوا، كما قال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82]

فلما كان فيهم رهبة وعدم كبر، كانوا أقرب إلى الهدى، فقال في حق المسلمين منهم: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83]. قال ابن عباس: مع محمد وأمته، وهم الأمة الشهداء، فإن النصارى لهم قصد وعبادة، وليس لهم علم وشهادة؛ ولهذا فإن كان اليهود شرًا منهم، بأنهم أكثر كبرًا وأقل رهبة، وأعظم قسوة، فإن النصارى شر منهم فإنهم أعظم ضلالا وأكثر شركًا، وأبعد عن تحريم ما حرم الله ورسوله.

وقد وصفهم الله بالشرك الذي ابتدعوه، كما وصف اليهود بالكبر الذي هووه، فقال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} إلى قوله: {أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} الآية [المائدة: 116، 117] وقد ذكر الله قولهم: أن الله هو المسيح ابن مريم، وأن الله ثالث ثلاثة، وقولهم: اتخذ الله ولدًا، في مواضع من كتابه، بين عظيم فريتهم وشتمهم لله، وقولهم: الإد الذي: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90]، ولهذا يدعوهم في غير موضع إلى ألا يعبدوا إلا إلهًا واحدًا، كقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} إلى قوله: {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} إلى قوله: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا} [النساء: 171، 172]، وهذا لأن المشركين بمخلوق من البشر أو غيرهم، يصيرون هم مشركون، ويصير الذي أشركوا به من الإنس والجن مستكبرًا، كما قال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]، فأخبر الله أن عباده لا يستكبرون عن عبادته وإن أشرك بهم المشركون. وكذلك قال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إلى قوله: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} الآية: [المائدة: 73: 75]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير