تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

/وكنت أبين أنه مذهبهم، وأبين أنه حقيقة مذهب فرعون، حتى حدثني الثقة عن بعض طواغيتهم أنه قال: نحن على قول فرعون؛ ولهذا يعظمون فرعون في كتبهم تعظيمًا كثيرًا. فإنهم لم يجعلوا ثَمَّ صانعًا للعالم خلق العالم، ولا أثبتوا ربًا مدبرًا للمخلوقات، وإنما جعلوا نفس الطبيعة هي الصانع؛ ولهذا جوزوا عبادة كل شيء، وقالوا: من عبده فقد عبد الله، ولا يتصور عندهم أن يعبد غير الله فما من شيء يعبد إلا وهو الله، وهذه الكائنات عندهم أجزاؤه، أو صفاته، كأجزاء الإنسان أو صفاته، فهؤلاء إذا عبدوا الكائنات فلم يعبدوها لتقربهم إلى الله زلفى، لكن لأنها عندهم هي الله أو مجلى من مجاليه، أو بعض من أبعاضه، أو صفة من صفاته، أو تعين من تعيناته، وهؤلاء يعبدون ما يعبده فرعون وغيره من المشركين، لكن فرعون لا يقول: هي الله، ولا تقربنا إلى الله، والمشركون يقولون: هي شفعاؤنا وتقربنا إلى الله، وهؤلاء يقولون: هي الله، كما تقدم، وأولئك أكفر من حيث اعترفوا بأنهم عبدوا غير الله أو جحدوه، وهؤلاء أوسع ضلالاً من حيث جوزوا عبادة كل شىء وزعموا أنه هو الله، وأن العابد هو المعبود، وإن كانوا إنما قصدوا عبادة الله.

وإذا كان أولئك كانوا مشركين كما وصفوا بذلك، وفرعون موسى هو الذي جحد الصانع وكان يعبد الآلهة، ولم يصفه الله بالشرك.

فمعلوم أن المشركين قد يحبون آلهتهم كما يحبون الله، أو تزيد محبتهم لهم على محبتهم لله؛ ولهذا يشتمون الله إذا شتمت آلهتهم، كما قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]. فقوم فرعون قد يكونون أعرضوا عن الله بالكلية بعد أن كانوا مشركين به، واستجابوا لفرعون في قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]، و {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]؛ ولهذا لما خاطبهم المؤمن ذكر الأمرين فقال: {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [غافر: 42]. فذكر الكفر به الذي قد يتناول جحوده، وذكر الإشراك به أيضًا، فكان كلامه متناولاً للمقالتين والحالين جميعًا.

فقد تبين أن المستكبر يصير مشركًا، إما بعبادة آلهة أخرى مع استكباره عن عبادة الله، لكن تسمية هذا شركًا نظير من امتنع مع استكباره عن إخلاص الدين لله، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات: 35، 36]. فهؤلاء مستكبرون مشركون؛ وإنما استكبارهم عن إخلاص الدين لله، فالمستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر ـ كفرعون ـ أعظم كفرًا منهم، وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه وطاعته أعظم كفرًا من هؤلاء، وإن كان عالمًا بوجود الله وعظمته كما أن فرعون كان ـ أيضًا ـ عالمًا بوجود الله.

وإذا كانت البدع والمعاصي شعبة من الكفر وكانت مشتقة من شعبه، كما أن الطاعات كلها شعبة من شعب الإيمان ومشتقة منه، وقد علم أن الذي يعرف الحق ولا يتبعه غاو يشبه اليهود، وأن الذي يعبد الله من غير علم وشرع وهو ضال يشبه النصارى، كما كان يقول من يقول من السلف: من فسد من العلماء/ ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى.

فعلى المسلم أن يحذر من هذين الشبهين الفاسدين، من حال قوم فيهم استكبار وقسوة عن العبادة والتأله، وقد أوتى نصيبًا من الكتاب وحظًا من العلم، وقوم فيهم عبادة وتأله بإشراك بالله وضلال عن سبيل الله ووحيه وشرعه، وقد جعل في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها، وهذا كثير منتشر في الناس، والشبه تقل تارة وتكثر أخرى، فأما المستكبرون المتألهون لغير الله الذين لا يعبدون الله، وإنما يعبدون غيره للانتفاع به، فهؤلاء يشبهون فرعون.

/وقال ـ رحمه الله تعالى:

فصل

لفظ [الإسلام] يستعمل على وحهين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير