تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن لفظ: " الإسلام " له معنيان، معنى عام: يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من أنبياء الله الذي بعث فيهم، فيكونون مسلمين، حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده واتباعهم لشريعة من بعثه الله فيهم، فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل، مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم، فهم على " دين الإسلام "، ثم لما بعث الله نبيه عيسى - عليه السلام - فإن من آمن من أهل التوراة بعيسى، واتبعه فيما جاء به فهو مسلم حنيف على ملة إبراهيم، ومن كذب منهم بعيسى - عليه السلام - فهو كافر لا يوصف بالإسلام؛ ثم لما بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهو خاتمهم، وشريعته خاتمة الشرائع، ورسالته خاتمة الرسالات، وهي عامة لأهل الأرض وجب على أهل الكتابين، وغيرهم، اتباع شريعته، وما بعثه الله به لا غير، فمن لم يتبعه فهو كافر لا يوصف بالإسلام ولا أنه حنيف، ولا أنه على ملة إبراهيم، ولا ينفعه ما يتمسك به من يهودية، أو نصرانية، ولا يقبله الله منه، فبقي اسم: " الإسلام " عند الإطلاق منذ بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يرث الله الأرض ومن عليها، مختصاً بمن يتبعه لا غير. وهذا هو معناه الخاص الذي لا يجوز إطلاقه على دين سواه، فكيف وما سواه دائر بين التبديل والنسخ. فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين: " كونوا هوداً، أو نصارى " فقد أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم: " بل ملة إبراهيم حنيفاً، ولا يوصف أحد اليوم بأنه مسلم، ولا أنه على ملة إبراهيم، ولا أنه من عباد الله الحنفاء إلا إذا كان متبعاً لما بعث الله به خاتم أنبيائه ورسله محمداً - صلى الله عليه وسلم -.

وأما تنوع الشرائع وتعددها: فيقول الله - تعالى -: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} [المائدة / 48].

شرعة: أي شريعة وسنة. قال بعض العلماء: سميت الشريعة شريعة، تشبيهاً بشريعة الماء، من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة، رَوَى وتطهر.

ومنهاجاً: أي طريقاً، وسبيلاً واضحاً إلى الحق؛ ليعمل به في الأحكام، والأوامر، والنواهي؛ ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه.

ويقول - سبحانه -: {لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدىً مستقيم} [الحج / 67].

منسكاً: متعبداً

هم ناسكوه: متعبدون به.

وقال - تعالى - في حق نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها} [الجاثية / 18].

وقد علمنا الأصول التي تساوت فيها الملل، وتوطأت دعوة أنبياء الله ورسله إليها: إلى دين واحد، وملة واحدة في تقرير العبودية لله - سبحانه - لا شريك له وتوحيده، وتقرير النبوة، والمعاد، ووحدة التشريع من عند الله - تعالى - فهذه لا تتغير ولا تتبدل، ولا يدخلها نسخ فهي محكمة غير منسوخة، ولا تقبل الاجتهاد، ولا التخصيص.

أما الشرائع، فهي، مختلفة، متنوعة، ومتنوعة، ويعترضها النسخ، فكل شريعة رسول تخالف الأخرى في كل أو بعض أمور التشريع:

فهناك حكم تعبدي في شريعة رسول ينتهي بانتهاء شريعته ببعثة رسول آخر، فينسخه.

وهناك حكم يغير في بعض جزئياته في وقته، أو كيفيته، أو مقداره، أو حكمه من التشديد إلى التخفيف، وبعكسه.

وهناك حكم يكون في شريعة لاحقة دون السابقة، أو عكسه.

وهكذا، من تنوع التشريع في الأحكام العملية والقولية، من الأوامر والنواهي، حسب سابق علم الله - تعالى - وحكمته في تشريعه وأمره، بأوضاع كل أمة، وأزمانها، وأحوالها وطبائعها من قوتها، وضعفها، وحسب أبدية التشريع، أو تغييره ونسخه.

وهذا يكاد ينتظم أبواب التشريع في العبادات، والمعاملات، والنكاح، والفرق، والجنايات والحدود، والأيمان والنذور، والقضاء، وغير ذلك من الفروع التي ترجع إلى وحدة الدين والملة.

ولذا فإن شريعة الإسلام، وهي آخر الشرائع، باينت جميع الشرائع في عامة الأحكام العملية، والقولية، والأوامر والنواهي؛ لما لها من صفة الدوام، والبقاء، وأنها آخر شريعة نزلت من عند الله، ناسخة لما قبلها من شرائع الأنبياء.

والآن إلى بينان تحقيق الإيمان الجامع بالله، وكتبه، ورسله، بيان نقض الكتابيين لهذا الأصل العقدي العام، وكفرهم به، وما هم عليه من نواقض لهذه الأركان الثلاثة:

الإيمان بالله تعالى:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير