وكلهم متفقون على وحدة الملة والدين: في التوحيد، والنبوة والبعث، وما يشمله ذلك من الإيمان الجامع بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشَره، وما في ذلك من وحدة العبادة لله - تعالى - لا شريك له، فالصلاة والزكاة، والصدقات، كلها عبادات لا تُصرف إلا لله - تعالى -.
وشرائعهم في العبادات في صورها، ومقاديرها، وأوقاتها، وأنوعها، وكيفيتها، متعددة.
حتى جاءت الرسالة الخاتمة، والنبوة الخالدة، فنسخ الله بها جميع الشرائع فلا يجوز لبشر، كتابي ولا غير كتابي، أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تعبد الله بغير هذه الشريعة الخاتمة، فهو كافر، وعمله هباء: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} [الفرقان / 23].
فواجب على كل مكلف الإيمان، بان نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان أحد من أنبياء الله حياً لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يسع الكتابيين إلا ذلك، كما قال الله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل} [الأعراف / 157].
وأن بعثته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الثقلين، والناس أجمعين: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولن أكثر الناس لا يعلمون} سبأ / 28].
وقال - تعالى -: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} [الأعراف / 158].
وقال - تعالى -: {وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام / 19].
وقال -يسبحانه -: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ} [آل عمران / 20].
من نواقض هذا الأصل:
من كفر بنبي واحد، أو رسول واحد، أو آمن ببعض وكفر ببعض، فهو كمن كفر بالله وجحده، وقد فرق بين الله ورسله، ولا ينفعه إيمانه ببقية الرسل؛ ذلك أن الرسل حملة رسالة واحدة، ودعاة دين واحد، وإن اختلفت شرائعهم، ومرسلهم واحد، فهم وحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر، ويصدق المتأخر المتقدم.
قال تعالى: {إن الذين كفروا بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكافرون حقاً} [النساء / 150 - 151].
ولهذا: فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وأنه خاتم الأنبياء والرسل، وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها، وأنه لا يسع أحداً من أهل الأرض اتباع غير شرعه: فهو كافر مخلد في النار كمن كفر بالله وجحده رباً معبوداً.
وقد بين الله - سبحانه - كفر اليهود والنصارى؛ لإيمانهم ببعض الرسل، وكفرهم ببعض، كما قال - تعالى -: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم} [البقرة / 91].
{وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم} [البقرة / 91]. .
فاليهود لا يؤمنون بعيسى ابن مريم، ولا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم {فباؤوا بغضب على غضب} [البقرة / 90] غضب بكفرهم بالمسيح عيسى ابن مريم، وغضب بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والنصارى: لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم فَأتوا من كفرهم به. .
لهذا: فهم بكفرهم هذا كفار مخلدون في النار، فكيف ينادون بوحدتهم مع دين الإسلام. .
وانظر إلى حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق: أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " متفق عليه. .
فقوله: " وأن عيسى عبد الله ورسوله " تعريض باليهود وتعريض بالنصارى - أنفسهم - في قولهم بالإيمان به مع التثليث وهو شرك محض؛ وبه تعرف السر في تخصيص ذكر عيسى - عليه السلام - في هذا الحديث العظيم الجامع. .
¥