أخي الفاضل ذكر ما أشرتَ إليه - رعاك الله - الحافظ الذهبي في سيره 8/ 222 من الطبعة الأولى في ترجمة عبد الرحمن بن معاوية الداخل عند الحديث عن بناء مسجد قرطبة الشهير، فقال ( ... وقال ابن مزين: في قبلته انحراف. وقد ركب الحكم المستنصر بالله مع الوزراء والقاضي منذر البلوطي وقد هم بتحريف القبلة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، قد صلى بهذه القبلة خيار الأئمة والتابعون، وإنما فضل من فضل بالإتباع، وأمير المؤمنين أولى من اتَّبع. فترك القبلة بحالها).
قلت: يبدو أن من حضره من الفقهاء قالوا ذلك لأن الانحراف كان يسيرا متحملا ... لأني وجدت العلامة المواق - رحمه الله - يقول في شرح المختصر: ( ... (وَلَا مِحْرَابًا إلَّا لِمِصْرٍ) ابْنُ الْقَصَّارِ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَحَارِيبِ الْبِلَادِ الَّتِي تَكَرَّرَتْ صَلَوَاتُهَا وَنَصَبَتْهَا الْأَئِمَّةُ. الْقَبَّابُ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَلِفَةً وَلَا مَطْعُونًا عَلَيْهَا كَمَسَاجِدِ بِلَادِنَا فَاسَ فَإِنَّ قِبْلَةَ الْقَرَوِيِّينَ مُخَالِفَةٌ لِقِبْلَةِ الْأَنْدَلُسِ , وَقِبْلَةَ الْأَنْدَلُسِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَدِلَّةِ , انْتَهَى ... ).
أما في أغلب مدن المغرب العربي و بعض نواحي مصر فالأمر أسوأ بكثير في المحاريب القديمة، وقد رأيت بعض المساجد في ناحيتنا قد طمست محاريبها القديمة، ونصبت الجديدة إلى جهة مكة كما هو المطلوب عند جماعة الفقهاء ... وأما المساجد الجديدة التي بنيت من حوالي أربعين سنة فقد اشترطت إدارة الوقف أن يكون وضع قبلتها على يدي موظفيها فكان حالها أحسن والحمد لله، وإنك لتجد بين المسجدين ليس بينهما مائة متر اختلافا بيّنا في اتجاه القبلة ...
ومن الطريف أن أحدهم - جزاه الله خيرا - جعل وقفا من الزيتون بمسجد القرويين - العامر بطلبة العلم قديما وحديثا - لمن ينادي عقب إقامة الصلاة قائلا: انحرفوا بانحراف الإمام يرحمكم الله ... ولا يزال العمل جاريا بهذا إلى ساعتنا هذه .. ولعمر الله إن الانحراف بالمسجد لشديد يخرج بصاحبه عن الجهة بالكلية، بل رأيت الأستاذ التازي يذكر في كتابه عن جامع القرويين ما مضمونه: أن الانحراف بقيت عليه بضع درجات فلكية ويكون صاحبه مستدبر القبلة ... فهل هناك أسوأ من هذا؟
قال العلامة عليش في منح الجليل: ( ... والمحاريب التي جهل حال ناصبها داخلة فيما قبل الاستثناء والمحاريب التي قطع العارفون بخطئها كمحاريب رشيد وقرافة مصر العتيقة ومنية ابن خصيب لا تجوز الصلاة إليها لا للمجتهد ولا لغيره ... ).
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[25 - 03 - 06, 06:03 م]ـ
رقم الفتوى: 17511
عنوان الفتوى: حكم الانحراف اليسير عن عين القبلة
تاريخ الفتوى: 28 ربيع الأول 1423
السؤال
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله.
أتقدّم لسماحتكم بهذا السؤال راجيا منكم إن شاء الله إجابة سريعة. فنحن بصدد بناء مسجد بقطعة أرض توجد في تكتل سكني بمدينة وقد تبيّن أن القبلة حسب البوصلة توجد بإنحراف 15 درجة شرقا بالنسبة للواجهة الشرقية للمسجد. السؤال هو: هل يجوز إكمال بناء المسجد على هذا النحو مع تصليح اتجاه الصفوف بالداخل أثناء الصلاة. أو من الأرجح إصلاح إتجاه المسجد ككل؟ وهل تجوز الصلاة بهذه الدرجة من الإنحراف عن القبلة إذا أردنا أن تكون الصفوف بالداخل متناسقة مع المسجد؟
أخيرا تقبلوا منا سماحتكم جزيل الشكر وبارك الله فيكم مع التأكيد على جواب سريع منكم حتى نتمكن من إكمال البناء باطمئنان.
وفقكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالانحراف عن عين القبلة بـ 15 درجة لمن لا يبصر الكعبة لا يضره، لأنه لا يلزمه شرعاً استقبال عينها وإنما جهتها، كما هو مذهب جمهور العلماء، وكما هو مبين في الفتوى رقم: 15685، والفتوى رقم: 11452.
وعليه، فلا يلزمكم إعادة بناء المسجد باتجاه عين الكعبة، لأن صلاتكم جائزة بهذا الانحراف، ما دمتم تستقبلون جهة القبلة لكن إذا بنيتم المسجد أو سويتم الصفوف باتجاه عين الكعبة كما حددته البوصلة، فإن ذلك هو الأكمل والأحسن.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه
¥