1 - قال الطبري: حدثنا سليمان بن عمر الرقي، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم، فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: كان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه، ويدعو له بالصلاح ما دام حيا، فإذا مات، وكله إلى شانه! ثم قال: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، لم يدع.
وهذا إسناد صحيح لغيره.
2 - روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح فقال:
حدثنا ابن فضيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني فوكله ابنه إلى أهل دينه فذكر ذلك لابن عباس فقال ما كان عليه لو مشى معه ودفنه واستغفر له ما كان حيا ثم تلا * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه) * الآية.
3 - وأخرجه أيضاً بسند صحيح فقال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن ضرار بن مرة عن سعيد بن جبير قال مات رجل نصراني وله بن مسلم فلم يتبعه فقال بن عباس كان ينبغي له أن يتبعه ويدفنه ويستغفر له في حياته.
4 - وأخرجه عبد الرزاق أيضاً في مصنفه بسند صحيح فقال: أخبرنا ابن عيينة عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال: توفى أبو رجل، وكان يهوديا، فلم يتبعه ابنه، فذكر ذلك لابن عباس، فقال ابن عباس: وما عليه لو غسله، واتبعه، واستغفر له ما كان حيا - يقول: دعا له ماكان الاب حيا - قال: ثم قرأ ابن عباس * (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) * يقول: لما مات على كفره.
وهذه بعض أقوال العلماء:
1 - هذا قول الإمام الطبرى فى تفسيره تعليقاً على بعض آثار ابن عباس السابقة:
((وقد تأول قوم قول الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى} ... الآية، أن النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله: {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} وقالوا: ذلك لا يتبينه أحد إلا بأن يموت على كفره، وأما هو حي فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم)).
2 - وفي المعتصر من مشكل الآثار للطحاوي:
((ومما يدل على جواز الاستغفار للمشرك مادام حيا قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))
3 - قال الإمام ابن حبان في صحيحه تعليقاً على حديث سهل بن سعد عند قوله -صلى الله عليه وسلم- "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون":
((معنى هذا الدعاء الذي قال يوم أحد لما شج وجهه أي اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي، لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقا)).
4 - وقال الإمام ابن العربي في أحكام القرآن:
((المسألة الثالثة: منع الله رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين؛ لأنه قد قدر ألا تكون؛ وأخبر عن ذلك، وسؤال ما قدر أنه لا يفعله، وأخبر عنه هنا.
فإن قيل: فقد {قال النبي صلى الله عليه وسلم حين كسروا رباعيته، وشجوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} فسأل المغفرة لهم.
قلنا: عنه أربعة أجوبة:
الأول: يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، وجاء النهي بعده.
الثاني: أنه يحتمل أن يكون ذلك سؤالا في إسقاط حقه عندهم، لا لسؤال إسقاط حقوق الله، وللمرء أن يسقط حقه عند المسلم والكافر.
الثالث: أنه يحتمل أن يطلب المغفرة لهم؛ لأنهم أحياء، مرجو إيمانهم، يمكن تألفهم بالقول الجميل، وترغيبهم في الدين بالعفو عنهم.
فأما من مات فقد انقطع منه الرجاء.
الرابع: أنه يحتمل أن يطلب لهم المغفرة في الدنيا برفع العقوبة عنهم حتى إلى الآخرة، كما قال الله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون})).
5 - قال الإمام القرطبي في تفسيره (4/ 586) لقوله تعالى (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) وفي جوابه على تعارض هذا مع دعاء النبي لقومه بالمغفرة في الحديث السابق:
((جواب ثالث: وهو أن الاستغفار للأحياء جائز لأنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعي له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت فأمسكوا عن الاستغفار ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا)).
¥