ـ[حارث همام]ــــــــ[19 - 11 - 05, 09:44 م]ـ
وأنقله في هذا أجزاء من مبحث كتبته قديماً وأسأل الله أن ييسر تمامه!
"وهنا أنبه القارئ الكريم إلى أن جالينوس وكثير من الفلاسفة أمثال بطليموس ومن قبله أرستاطاليس أو أرسطو المعروف بالمعلم الأول وأتباعه المشاءون، وأستاذه أفلاطون وأستاذه سقراط وأستاذه فيثاغورس لم يكونوا ملاحدة، ولعل ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض يفسر سبب ذلك فقد ذكر أن "أساطين الفلسفة كفيثاغورس وسقراط وأفلاطون قدموا الشام وتعلموا الحكمة من لقمان وأصحاب داود وسليمان". وإذا عرف هذا السبب فلاعجب أن يخالف في مثل مسألة قدم العالم أفلاطون نفسه، بل ذكر شيخ الإسلام أن أساطينهم الأربعة ابندقلس، وفيثاغورس، وسقراط، وأفلاطون، لم يقل واحد منهم بقدم العالم، والسبب هو مقدمهم الشام واستفادتهم من لقمان –وكان أول من لقب بالحكمة كما ذكر محمد بن يوسف العامري- والبقايا الذين كانوا على دين داود وسليمان، بخلاف أرسطو الذي لم يقدم الشام، بل كان له علم يسير بالصابئية الصحيحة، فقال تبعاً للفلاسفة الأولين بقدم العالم ونصر حجتهم وكذلك من تبعه فردوا على أستاذه أو تأولوا ألفاظه.
ونظراً لارتباط أرسطو ومن بعده بمن سبقهم من المتقدمين علقت بجمهورهم أقوال من جملة أقوال الفلاسفة الدهريين واليونانيين المشركين الذين سبقوهم ومنها القول بقدم العالم، مع الإقرار بوجود صانع للكون".
فهذه مسألة أولى وهي أن أولئك لم يكونوا ملاحدة والمقصود بذلك هنا أنهم لم ينكروا الصانع في الجملة.
والثانية هي أن هؤلاء لم يجتمعوا على كلمة سواء قال أبو حامد الغزالي رحمه الله في التهافت: "ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط، ومن كان قبلهم من الإلهيين، ردّاً لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم؛ إلا أنه استبقى أيضاً من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها، فوجب تكفيرهم، وتكفير شيعتهم من المتفلسفة الإسلاميين، كابن سينا والفارابي و غيرهم. على أنه لم يقم بنقل علم أرسطاطاليس أحد من متفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين. وما نقله غيرهما ليس يخلو من تخبيط وتخليط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم. وما لا يُفهم كيف يُرد أو يقبل؟ ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس، بحسب نقل هذين الرجلين، ينحصر في ثلاثة أقسام:
1. قسم يجب التكفير به.
2. وقسم يجب التبديع به.
3. وقسم لا يجب إنكاره أصلاً فلنفصله".
ثم ذكر ما كفروا به فقال:
"مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلاً، يجب تكفيرهم في ثلاثة منها، وتبديعهم في سبعة عشر. ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين، صنفنا كتاب (التهافت).
أما المسائل الثلاث، فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين وذلك في قولهم:
1 - إن الأجساد لا تحشر، وإنما المثاب والمعاقَب هي الأرواح المجردة، (والمثوبات) والعقوبات روحانية لا جسمانية؛ ولقد صدقوا في إثبات الروحانية، فأنها ثابتة أيضاً، ولكن كذبوا في إنكار الجسمانية، وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به.
2 - ومن ذلك قولهم: ((إن الله تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات))؛ وهذا أيضاً كفر صريح، بل الحق أنه: ((لا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في السمواتِ ولا في الأرضِ)). (سبأ: 3)
3 - ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من هذه المسائل .. "
وإذا تقرر هذا فإن سقراط ليست له آثار مكتوبة وكل ما عندنا ما سجله تلميذه أفلاطون -أستاذ الأكاديمية وصاحب الجمهورية- من محدثاته. وسقراط هذا قال عنه ابن القيم: "وكان من عبادهم ومتألهيهم وجاهرهم بمخالفتهم في عبادة الأصنام وقابل رؤساءهم بالأدلة والحجج على بطلان عبادتها فثار عليه العامة واضطروا الملك إلى قتله فأودعه السجن ليكفهم عنه ثم لم يرض المشركون إلا بقتله فسقاه السم خوفا من شرهم بعد مناظرات طويلة جرت له معهم وكان مذهبه في الصفات قريبا من مذهب أهل الإثبات فقال إنه إله كل شىء وخالقه، ومقدره وهو عزيز أي منيع ممتنع أن يضام وحكيم أي محكم أفعاله على النظام.
وقال: إن علمه وقدرته ووجوده وحكمته بلا نهاية لا يبلغ العقل أن يضعها.
¥