[نقول عن بعض أهل العلم القائلين بعدم وجوب السعي الثاني للمتمتع]
ـ[أبو عبدالله الأثري]ــــــــ[16 - 11 - 05, 10:05 م]ـ
الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فهذه نقول عن بعض أهل العلم القائلين بعدم وجوب السعي الثاني على المتمتع
وهذه أقوالهم:
- أولاً: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "منسكه" ص 80 [طبعة دار عالم الفوائد]:
((ثم يسعى بعد ذلك سعي الحج, وليس على المفرد إلا سعي واحد, وكذلك القارن عند جمهور العلماء, وكذلك المتمتع في أصحِّ أقوالهم, وهو أصح الروايتين عند أحمد, وليس عليه إلا سعي واحد, فإن الصحابة الذين تمتعوا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة قبل التعريف, فإذا اكتفى المتمتع بالسعي الأول أجزأه ذلك, كما يجزئ المفرد والقارن, وكذلك قال عبدالله بن أحمد بن حنبل, قيل لأبي: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين - يعني بالبيت وبين الصفا والمروة – فهو أجود, وإن طاف طوافاً واحدا فلا بأس, وإن طاف طوافين فهو أعجب إلي.
وقال أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا الأوزاعي, عن عطاء, عن ابن عباس, أنه كان يقول: المفرد والمتمتع يجزئه طوافٌ بالبيت, وسعيٌ بين الصفا والمروة.
وقد اختلفوا في الصحابة المتمتعين مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , مع اتفاق الناس على أنهم طافوا أولا بالبيت, وبين الصفا والمروة.
ولما رجعوا مِن عرفة قيل: إنهم سعوا أيضاً بعد طواف الإفاضة, وقيل: لم يسعوا, وهذا هو الذي ثبت في صحيح مسلم عن جابر, قال: لم يطف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا, طوافه الأول.
وقد رُوي في حديث عائشة أنهم طافوا مرتين, لكن هذه الزيادة قيل إنها من قول الزهري, لا من قول عائشة, وقد احتجَّ بها بعضهم على أنه يُستحبُّ طوافان بالبيت, وهذا ضعيف, الأظهر ما في حديث جابر, ويُؤيده قوله: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) فالمتمتع مِن حين أحرم بالعمرة دخل بالحج, لكنه فُصِلَ بتحلل ليكون أيسر على الحاج, وأحبُّ الدين إلى الله الحنيفية السمحة)) أ. هـ كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
- ثانياً: كلام الشيخ إسحق بن عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله:
((سُئِل الشيخ إسحق بن عبدالرحمن بن حسن عن المتمتع, هل يكفيه سعي واحد؟ أم يجب عليه سعيان؟
فأجاب: المتمتع يكفيه سعي واحد, وعليه جمعٌ من الصحابة والتابعين ومن بعدهم, وإن كان كثير من العلماء اختار أن عليه سعيين, لكن من زعم أن تركه ذلك مخلٌّ بالحج فقد أبعد عن الصواب, فلعله ظن أنَّ جَعْلَ الأصحاب السعي للعمرة من أركانها يقتضي فساد الحج, وهذا خطأ؛ لأنَّ مرادهم العمرة المطلقة, أما المتمتع فلم يقصدوه, وإنما قالوا: ويسعى المتمتع سعيين, والخلاف في هذه المسألة مشهور, حتى ذكر الشيخ تقي الدين في منسكه الأخير أنه أصح قولي العلماء, وأصح الروايتين عن أحمد رحمه الله.
وذكر أن الصحابة الذين تمتعوا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرةً واحدة, وساق ما رواه أحمد بسنده إلى ابن عباس أن المفرد والقارن والمتمتع يجزئه طوافٌ بالبيت وسعيٌ بين الصفا والمروة, وذكر ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر, قال: لم يطف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً, طوافه الأول, وردَّ ما روي عن عائشة أنهم طافوا طوافين, وذكر أنه زيادة في آخر الحديث من قول بعض الرواة, وكلامه في هذه المسألة وكلام تلميذه وغيرهما من المحققين معروف, والدليل معهم ظاهر بحمد الله.
فالمنكر في الحقيقة إنما أنكر على السلف, ومَن أَلِفَ العادة مِن غير بصيرةٍ ولا ورعٍ استنكر الحق, ولو قال هذا خلاف ما عليه العمل, أو أن الفتوى على خلافه لكان أسهل, فالحق الذي لا مرية فيه أن مثل هذا إذا صدر مِن طلبة العلم فالإنكارُ عليه والتَّشديد في أمره إنكارٌ في الحقيقة على من عمل به من الصحابة فمن بعدهم)) أ. هـ. كلام الشيخ إسحق رحمه الله [الدرر السنية 5/ 385].
¥