تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مفترضتان وواقعتان في كل تشريع إلهي سواء أدركهما البشر أم لم يدركوهما في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير عن طريق الإدراك البشري المحدود!

ثم ننتقل إلى الإجراء الثاني الذي تنص عليه الآية عند الخوف من عدم تحقق العدل:

" فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"

أي إنه إن خيف عدم العدل في التزوج بأكثر من واحدة تعين الاقتصار على واحدة ولم يجز تجاوزها أو ما ملكت أيمانكم من الإماء زواجا أو تسريا فالنص لم يحدد.

ولقد سبق أن وقفنا في الجزء الثاني من هذه الظلال وقفة قصيرة أمام مسألة الرق إجمالا فلعله يحسن هنا أن نلم بمسألة الاستمتاع بالإماء خاصة.

إن الزواج من مملوكة فيه رد لاعتبارها وكرامتها الإنسانية فهو مؤهل من مؤهلات التحرير لها ولنسلها من سيدها حتى ولو لم يعتقها لحظة الزواج فهي منذ اليوم الذي تلد فيه تسمى أم ولد ويمتنع على سيدها بيعها ; وتصبح حرة بعد وفاته أما ولدها فهو حر منذ مولده.

وكذلك عند التسري بها فإنها إذا ولدت أصبحت أم ولد وامتنع بيعها وصارت حرة بعد وفاة سيدها وصار ولدها منه كذلك حرا إذا اعترف بنسبه وهذا ما كان يحدث عادة.

فالزواج والتسري كلاهما طريق من طرق التحرير التي شرعها الإسلام وهي كثيرة على أنه قد يحيك في النفس شيء من مسألة التسري هذه فيحسن أن نتذكر أن قضية الرق كلها قضية ضرورة كما بينا هناك وأن الضروة التي اقتضت إباحة الاسترقاق في الحرب الشرعية التي يعلنها الإمام المسلم المنفذ لشريعة الله هي ذاتها التي اقتضت إباحة التسري بالإماء ; لأن مصير المسلمات الحرائر العفيفات حين يؤسرن كان شرا من هذا المصير!

على أنه يحسن ألا ننسى أن هؤلاء الأسيرات المسترقات لهن مطالب فطرية لا بد أن يحسب حسابها في حياتهن ولا يمكن إغفالها في نظام واقعي يراعي فطرة الإنسان وواقعه فإما أن تتم تلبية هذه المطالب عن طريق الزواج وإما أن تتم عن طريق تسري السيد ما دام نظام الاسترقاق قائما كي لا ينشرن في المجتمع حالة من الانحلال الخلقي والفوضى الجنسية لا ضابط لها حين يلبين حاجتهن الفطرية عن طريق البغاء أو المخادنة كما كانت الحال في الجاهلية.

أما ما وقع في بعض العصور من الاستكثار من الإماء عن طريق الشراء والخطف والنخاسة وتجميعهن في القصور واتخاذهن وسيلة للإلتذاذ الجنسي البهيمي وتمضية الليالي الحمراء بين قطعان الإماء وعربدة السكر والرقص والغناء إلى آخر ما نقلته الينا الأخبار الصادقة والمبالغ فيها على السواء أما هذا كله فليس هو الإسلام وليس من فعل الإسلام ولا إيحاء الإسلام ولا يجوز أن يحسب على النظام الإسلامي ولا أن يضاف إلى واقعه التاريخي ..

إن الواقع التاريخي الإسلامي هو الذي ينشأ وفق أصول الإسلام وتصوراته وشرعته وموازينه هذا وحده هو الواقع التاريخي الإسلامي أما ما يقع في المجتمع الذي ينتسب إلى الإسلام خارجا على أصوله وموازينه فلا يجوز أن يحسب منه لأنه انحراف عنه.

إن للإسلام وجوده المستقل خارج واقع المسلمين في أي جيل فالمسلمون لم ينشئوا الإسلام إنما الإسلام هو الذي أنشأ المسلمين الإسلام هو الأصل والمسلمون فرع عنه ونتاج من نتاجه ومن ثم فإن ما يصنعه الناس أو ما يفهمونه ليس هو الذي يحدد أصل النظام الإسلامي أو مفهوم الإسلام الأساسي إلا أن يكون مطابقا للأصل الإسلامي الثابت المستقل عن واقع الناس ومفهومهم والذي يقاس إليه واقع الناس في كل جيل ومفهومهم ليعلم كم هو مطابق أو منحرف عن الإسلام.

إن الأمر ليس كذلك في النظم الأرضية التي تنشأ ابتداء من تصورات البشر ومن المذاهب التي يضعونها لأنفسهم وذلك حين يرتدون إلى الجاهلية ويكفرون بالله مهما ادعوا أنهم يؤمنون به فمظهر الإيمان الأول بالله هو استمداد الأنظمة من منهجه وشريعته ولا إيمان بغير هذه القاعدة الكبيرة ذلك أن المفهومات المتغيرة للناس حينئذ والأوضاع المتطورة في أنظمتهم هي التي تحدد مفهوم المذاهب التي وضعوها لأنفسهم وطبقوها على أنفسهم.

فأما في النظام الإسلامي الذي لم يصنعه الناس لأنفسهم إنما صنعه للناس رب الناس وخالقهم ورازقهم ومالكهم فأما في هذا النظام فالناس إما أن يتبعوه ويقيموا أوضاعهم وفقه ; فواقعهم إذن هو الواقع التاريخي الإسلامي وإما أن ينحرفوا عنه أو يجانبوه كلية فليس هذا واقعا تاريخيا للإسلام إنما هو انحراف عن الإسلام!

ولا بد من الإنتباه إلى هذا الاعتبار عند النظر في التاريخ الإسلامي فعلى هذا الاعتبار تقوم النظرية التاريخية الإسلامية وهي تختلف تماما مع سائر النظريات التاريخية الأخرى التي تعتبر واقع الجماعة الفعلي هو التفسير العملي للنظرية أو المذهب وتبحث عن تطور النظرية أو المذهب في هذا الواقع الفعلي للجماعة التي تعتنقه وفي المفهومات المتغيرة لهذه النظرية في فكر الجماعة وتطبيق هذه النظرة على الإسلام ينافي طبيعته المتفردة ويؤدي إلى أخطار كثيرة في تحديد المفهوم الإسلامي الحقيقي.

وأخيرا تفصح الآية عن حكمة هذه الإجراءات كلها إنها اتقاء الجور وتحقيق العدل:

" ذلك أدنى ألا تعولوا"

ذلك البعد عن نكاح اليتيمات إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ونكاح غيرهن من النساء مثنى وثلاث ورباع ونكاح الواحدة فقط إن خفتم ألا تعدلوا أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا أي ذلك أقرب ألا تظلموا وألا تجوروا.

وهكذا يتبين أن البحث عن العدل والقسط هو رائد هذا المنهج وهدف كل جزئية من جزئياته والعدل أجدر أن يراعي في المحضن الذي يضم الأسرة وهي اللبنة الأولى للبناء الاجتماعي كله ونقطة الانطلاق إلى الحياة الاجتماعية العامة وفيه تدرج الأجيال وهي لدنة رخصة قابلة للتكيف فإن لم يقم على العدل والود والسلام فلا عدل ولا ود في المجتمع كله ولا سلام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير