وقال الحنابلة، وهو قول عند الشّافعيّة: يجب القصاص على المكره، إذا قتل المكره نفسه، كما لو أكرهه على قتل غيره.
ولو أكرهه على قتل نفسه بما يتضمّن تعذيباً شديداً كإحراقٍ أو تمثيلٍ إن لم يقتل نفسه، كان إكراهاً كما جرى عليه البزّار، ومال إليه الرّافعيّ من علماء الشّافعيّة، وإن نازع فيه البلقينيّ.
وفصّل الحنفيّة في الموضوع فقالوا: لو قال لتلقين نفسك في النّار أو من رأس الجبل أو لأقتلنّك بالسّيف، فألقى نفسه من الجبل، فعند أبي حنيفة تجب الدّية على عاقلة المكره، لأنّه لو باشر بنفسه لا يجب عليه القصاص عنده، لأنّه قتل بالمثقل، فكذا إذا أكره عليه.
وعند أبي يوسف تجب الدّية على المكره في ماله، وعند محمّدٍ يجب القصاص، لأنّه كالقتل بالسّيف عنده.
أمّا إذا ألقى نفسه في النّار فاحترق، فيجب القصاص على المكره عند أبي حنيفة أيضاً.
هذا، ولم نجد في المسألة نصّاً عند المالكيّة، وانظر» إكراه «.
aa اشتراك المنتحر مع غيره aa
22- اختلف الفقهاء فيمن جرح نفسه، ثم جرحه غيره فمات منهما، فهل يعتبر انتحاراً؟
وهل يجب على المشارك له قصاص أو دية؟ يختلف الحكم عندهم بحسب الصور:
أ-فلو جرح نفسه عمداً أوخطأً، كأن أراد ضرب من اعتدى عليه بجرح فأصاب نفسه، أو خاط جرحه فصادف اللحم الحي، ثم جرحه شخص آخر خطأً، فمات منهما، فلا قصاص عند عامة الفقهاء، لأنه لاقصاص على المخطئ بالإجماع، ويلزم عاقلة الشريك نصف الدية،كما لو قتله اثنان خطأً.
ب-أما لوجرح نفسه خطأً، وجرحه شخص آخر عمداً، فلا قصاص عليه عند الجمهور» الحنفية والمالكية والشافعية، وهو أصح الوجهين عند الحنابلة «بناء على القاعدة التي تقول:لايقتل شريك من لاقصاص عليه كالمخطئ والصغير، وعلى المتعمد نصف دية العمد في ماله، إذ لا يدرى من أي الأمرين مات.
وفي وجه آخر للحنابلة: يقتص من الشريك العامد، لأنه قصد القتل، وخطأ شريكه لايؤثر في قصده.
ج-وإذا جرح نفسه عمداً، وجرحه آخر عمداً، ومات منهما، يقتص من الشريك العامد في وجه عند الحابلة، وهو الأظهر عند الشافعية، وقول عند المالكية بشرط القسامة، لأنه قتل عمد متمحض، فوجب القصاص على الشريك فيه كشريك الأب.
وقال الحنفية، وهو قول عند المالكية، ومقابل الأظهر عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة:
لاقصاص على شريك قاتل نفسه، وإن كان جرحاهما عمداً، لأنه أخف من شريك المجطئ، كما يقول الشافعية، ولأنه شارك من لايجب عليه القصاص، فلم يلزمه القصاص، كشريك المخطئ، ولأنه قتل تركب من موجب وغير موجب، كما استدل به الحنفية.
وإذا لم يجب القصاص فعلى الجارح نصف الدية في ماله، ولا يشترط القسامة في وجوب نصف الدية عند المالكية، لكنهم أضافوا: أن الجارح يضرب مائة ويحبس عاماً كذلك.
23 - والمعلوم أن الدية تقسم على من اشترك في القتل، وعلى الأفعال التي تؤدي إلى القتل، فإذا حصل القتل بفعل نفسه وبفعل الشريك ولم نقل بوجوب القصاص، يجب على الشريك نصف الدية، وبهذا صرح الحنفية بأنه إن مات شخص بفعل نفسه وفعل زيد وأسد وحية ضمن زيد ثلث الدية، لأن فعل الأسد والحية جنس واحد، وهو هدر في الدارين، وفعل زيد معتبر في الدارين، وفعل نفسه هدر في الدنيا لا العقبى، حتى يأثم بالإجماع.
24 - وتعرض الشافعية والحنابلة إلى مسألة أخرى لها أهميتها في اشتراك الشخص في قتل نفسه، وهي مداواة الجرح بالسم المهلك.
فإن جرحه إنسان فتداوى بسم مذفف يقتل في الحال، فقد قتل نفسه وقطع سراية الجرح، وجرى مجرى من ذبح نفسه بعد أن جرح، فلا قصاص ولا دية على جارحه في النفس، وينظر في الجرح، فإن كان موجباً للقصاص فلوليه استيفاؤه، وإلا فلوليه الأرش.
وإن كان السم لايقتل في الغالب، أو لم يعلم حاله، أو قد يقتل بفعل الرجل في نفسه، فالقتل شبه عمد، والحكم في شريكه كالحكم في شريك المخطئ.
وإذا لم يجب القصاص على الجارح فعليه نصف الدية.
وإن كان السم يقتل غالباً، وعلم حاله، فحكمه كشريك جارح نفسه، فيلزمه القصاص في الأظهر عند الشافعية، وهو وجه عند الحنابلة، أوهو شريك مخطئ في قول آخر للشافعية،
وهو وجه آخر عند الحنابلة، فلا قود عليه، لأنه لم يقصد القتل، وإنما قصد التداوي.
¥