أما الحنفية فلا قصاص عندهم على الجارح بحال، سواء أكان التداوي بالسم عمداً أم كان خطأ، لأن الأصل عندهم أنه لايقتل شريك من لا قصاص عليه كما تقدم.
كذلك لا قصاص على الجارح عند المالكية قولاً واحداً إذا تداوى المقتول بالسم خطأ، بناء على أصلهم أنه» لا يقتل شريك مخطئ «وقد تقدم أن في شريك جارح نفسه عمداً عند المالكية قولين.
aa الآثار المترتّبة على الانتحار aa
aa أوّلاً: إيمان أو كفر المنتحر aa
25 - ورد في الأحاديث الصّحيحة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما يدلّ ظاهره على خلود قاتل نفسه في النّار وحرمانه من الجنّة.
منها ما رواه الشّيخان عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من تردّى من جبلٍ فقتل نفسه فهو في نارٍ جهنّم خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنّم خالداً مخلّداً فيها أبداً " ومنها حديث جندبٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " كان برجلٍ جراح فقتل نفسه، فقال اللّه: بدرني عبدي نفسه، حرّمت عليه الجنّة "
وظاهر هذين الحديثين وغيرهما من الأحاديث يدلّ على كفر المنتحر، لأنّ الخلود في النّار والحرمان من الجنّة جزاء الكفّار عند أهل السّنّة والجماعة.
لكنّه لم يقل بكفر المنتحر أحد من علماء المذاهب الأربعة، لأنّ الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام، وصاحب الكبيرة - غير الشّرك - لا يخرج عن الإسلام عند أهل السّنّة والجماعة، وقد صحّت الرّوايات أنّ العصاة من أهل التّوحيد يعذّبون ثمّ يخرجون.
بل قد صرّح الفقهاء في أكثر من موضعٍ بأنّ المنتحر لا يخرج عن الإسلام، ولهذا قالوا بغسله والصّلاة عليه كما سيأتي، والكافر لا يصلّى عليه إجماعاً.
ذكر في الفتاوى الخانيّة: المسلم إذا قتل نفسه في قول أبي حنيفة ومحمّدٍ يغسّل ويصلّى عليه.
وهذا صريح في أنّ قاتل نفسه لا يخرج عن الإسلام، كما وصفه الزّيلعيّ وابن عابدين بأنّه فاسق كسائر فسّاق المسلمين كذلك نصوص الشّافعيّة تدلّ على عدم كفر المنتحر.
وما جاء في الأحاديث من خلود المنتحر في النّار محمول على من استعجل الموت بالانتحار، واستحلّه، فإنّه باستحلاله يصير كافراً، لأنّ مستحلّ الكبيرة كافر عند أهل السّنّة، والكافر مخلّد في النّار بلا ريبٍ، وقيل: ورد مورد الزّجر والتّغليظ وحقيقته غير مرادةٍ.
ويقول ابن عابدين في قبول توبته: القول بأنّه لا توبة له مشكل على قواعد أهل السّنّة والجماعة، لإطلاق النّصوص في قبول توبة العاصي بل التّوبة من الكافر مقبولة قطعاً، وهو أعظم وزراً.
ولعلّ.
المراد ما إذا تاب حالة اليأس، كما إذا فعل بنفسه ما لا يعيش معه عادة، كجرحٍ مزهقٍ في ساعته، وإلقائه نفسه في بحرٍ أو نارٍ فتاب.
أمّا لو جرح نفسه فبقي حيّاً أيّاماً مثلاً ثمّ تاب ومات، فينبغي الجزم بقبول توبته.
وممّا يدلّ على أنّ المنتحر تحت المشيئة، وليس مقطوعاً بخلوده في النّار، حديث جابرٍ أنّه قال: " لمّا هاجر النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرٍو، وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص، فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتّى مات، فرآه الطّفيل بن عمرٍو في منامه وهيئته حسنة، ورآه مغطّياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربّك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراك مغطّياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصّها الطّفيل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وَلِيَدَيْه فاغفر " وهذا كلّه يدلّ على أنّ المنتحر لا يخرج بذلك عن كونه مسلماً، لكنّه ارتكب كبيرةً فيسمّي فاسقاً.
aa ثانياً: جزاء المنتحر aa
26 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه إذا لم يمت من حاول الانتحار عوقب على محاولته الانتحار، لأنّه أقدم على قتل النّفس الّذي يعتبر من الكبائر.
¥