[(أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا): هل يدخل فيها المؤمنون؟! (مبحث للشنقيطي)]
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[20 - 11 - 05, 11:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال - رحمنا الله وإياه - في أضواء البيان (7/ 393 - 395) عند تفسير قوله تعالى: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا):
(اعلم أن للعلماء كلاماً كثيراً في هذه الآية قائلين إنها تدل على أنه ينبغي التقشف والإقلال من التمتع بالمآكل والمشارب والملابس ونحو ذلك.
وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك خوفاً منه أن يدخل في عموم من يقال لهم يوم القيامة: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) .. الآية، والمفسرون يذكرون هنا آثاراً كثيرة في ذلك، وأحوال أهل الصُفة وما لاقوه من شدة العيش.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية هو أنها في الكفار وليست في المؤمنين الذين يتمتعون باللذات التي أباحها الله لهم، لأنه ما أباحها لهم ليُذهب بها حسناتهم!
وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق، لأن الكتاب والسنة الصحيحة دالان عليه والله تعالى يقول: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) .. الآية.
أما كون الآية في الكفار، فقد صرَّح الله تعالى به في قوله: (ويوم يُعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم) .. الآية.
والقرآن والسنة الصحيحة قد دلا على أن الكافر إن عمل عملاً صالحاً مطابقاً للشرع، مخلصاً فيه لله، كالكافر الذي يبر والديه، ويصل الرحم، ويقري الضيف، وينفس عن المكروب، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله؛ يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق والعافية، ونحو ذلك ولا نصيب له في الآخرة.
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)، وقوله تعالى: (من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب). وقد قيد تعالى هذا الثواب الدنيوي المذكور في الآيات بمشيئته وإرادته في قوله تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحورًا).
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يُعطي بها في الدنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها" هذا لفظ مسلم في صحيحه.
وفي لفظ له عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدّخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته". اهـ.
فهذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه التصريح بأن الكافر يجازى بحسناته في الدنيا فقط، وأن المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً، وبمقتضى ذلك، يتعين تعييناً لا محيص عنه، أن الذي أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها هو الكافر، لأنه لا يجزى بحسناته إلا في الدنيا خاصة.
وأما المؤمن الذي يجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معاً، فلم يُذهب طيباته في الدنيا، لأن حسناته مدخرة له في الآخرة، مع أن الله تعالى يثيبه بها في الدنيا؛ كما قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب)، فجعل المخرج من الضيق له ورزقه من حيث لا يحتسب ثواباً في الدنيا وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة. والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.
وعلى كل حال؛ فالله –جل وعلا- أباح لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الطيبات في الحياة الدنيا، وأجاز لهم التمتع بها، ومع ذلك جعلها خاصة بهم في الآخرة، كما قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة).
فدل هذا النص القرآني أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة، وهو صريح في أنهم لم يُذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.
ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة، يكون لهم أجر زائد على ذلك؛لأن المؤمنين يؤجرون بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد، كما هو معلوم.
والنصوص الدالة على أن الكافر هو الذي يُذهب طيباته في الحياة الدنيا، لأنه يجزى في الدنيا فقط؛ كالآيات المذكورة، وحديث أنس المذكور عند مسلم، قد قدمناها موضحة في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا)، وذكرنا هناك أسانيد الحديث المذكور وألفاظه). انتهى. وانظر: (3/ 493) من أضواء البيان.
ـ[فيصل المزني]ــــــــ[26 - 11 - 05, 07:45 م]ـ
جزاك الله خير يا شيخ سليمان
¥